على بُعد 300 متر من السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة، يجلس "أبو المعتصم" (45 عاماً) ليأخذ قسطاً من الراحة بعد مسافة طويلة قطعها للوصول إلى تلك النقطة.
كان "أبو المعتصم" يستند إلى "عكاز طبي" اضطر لاستخدامه، بعدما أُصيب برصاص قناص إسرائيلي في ساقه اليُمنى خلال مشاركته في مسيرات العودة شرق غزة نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي.
يُحدق الرجل بعينيه نحو جنود الاحتلال الذين يعتلون "السواتر الرملية"، ولسان حاله يقول: "سنبقى ثابتين وصامدين فوق أرضنا رغم أنفك".
إصرار منقطع النظير كان يتجسد لدى المُصاب الأربعيني، حينما أشار بأصبعه نحو قناصة جيش الاحتلال، قائلًا: "هؤلاء محتلون لأرضنا وبلادنا، وأبقوا شعبنا في حصار، لذلك يجب عليهم الرحيل، ومسيرات العودة الطريق لذلك".
ويُكمل: "سنظل نحاول بأدواتنا السلمية في مسيرات العودة حتى نُجبر الاحتلال على الرحيل عن أرضنا (..) مستمرون وصامدون في المشاركة حتى تحقيق مطالبنا".
ويُتمم حديثه بالتعليق على تسمية الجمعة الـ 31 من مسيرات العودة "غزة صامدة ومبتركعش، وستبقى شامخة ولن تركع للاحتلال وكل المتآمرين على الشعب الفلسطيني".
في تلك الأثناء كان الحاج دياب زقوت (71 عاماً) يسير مع الجماهير الفلسطينية التي تقدمت بجسارة معهودة نحو السياج غير آبهٍ بنيران الجيش التي كانت تطلق مباشرة صوب المتظاهرين بين الفينة والأخرى.
يقول زقوت لـ"فلسطين": "الجميع كان يراهن على انتهاء فعاليات مسيرات العودة مع قرب فصل الشتاء، لكن أعداد المشاركين لا تختل عن سابقتها"، عادًا ذلك دلالة على إصرار المواطنين على الاستمرار في مسيرة العودة.
وذهب زقوت إلى القول بحماسة عبرت عنها تفاصيل وجهه: "مصممون على استراد حقوقنا بكل الوسائل النضالية الشعبية، ولا نقبل بتجزئة الوطن مهما بلغت الآلام والمعاناة".
يحاول السبعيني أن يتقدم أكثر فأكثر ويخطف نظره نحو الأراضي المحتلة، فيوجه رسالة للاحتلال الإسرائيلي قائلاً: "لن تهنأ أيها العدو في وطننا السليب، ولن تتنعم بأرضنا ونحن مشردون".
ويختم حديثه برسالة للدول العربية والإسلامية: "كفاكم هرولة نحو التطبيع مع الاحتلال، يجب عليكم أن تقفوا مع شعبنا بدلاً من مساندة العدو على قتل أبناء شعبنا الفلسطيني".
في تلك اللحظات كانت الحاجة أم محمد أبو حسنين وهي والدة الشهيد المسعف موسى أبو حسنين، تتقدم برفقة بناتها اللواتي توشحن الكوفية الفلسطينية ووضعن على جبينهن "عصبة مُزينة بالعلم الفلسطيني".
كانت علامات الإصرار ترتسم على محيا الحاجة أبو حسنين "تأكيداً على ضرورة العودة للأراضي المحتلة وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة"، كما تقول لـ"فلسطين".
وتضيف: "مسيرات العودة هي الطريق التي تحقق عودتنا لأراضينا المحتلة وفك الحصار المفروض على قطاع غزة"، تصمت قليلاً ويكأن طيف موسى قد لاح أمام ناظريها لتتابع: "هذه طريق أولادنا وسنظل سائرين على دربهم (...)مهما فقدنا الشهداء، وأُصيب منا الكثير، إلا أننا مستمرون في المشاركة بمسيرات العودة حتى تحقيق جميع مطالبنا".
وتُثني على تسمية الجمعة الـ31 "غزة صامدة وما بتركعش" قائلة: "ستبقى غزة صامدة ولن تركع لأي أحد، ومهما تآمرت علينا الدول، سنكون أقوياء بإيماننا، وسننتصر بإذن الله".
أما الطفلة ضحى شرف (10 أعوام) التي ارتدت فستانا بلون الكوفية الفلسطينية، فتقول: "جئنا اليوم تأكيداً على حقنا بالعودة للأراضي المحتلة وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة".
وتضيف: "نحن أطفال فلسطين لا نخاف ولا نهاب الاحتلال، وسنواصل المشاركة في مسيرات العودة حتى فك الحصار الإسرائيلي".
وتُكمل شرف التي تمتلك موهبة إلقاء الشعر حديثها "أنا طفلة فلسطينية ألقي الشعر كي أوصل صوتي لكل العالم، وينظروا لمعاناة أطفال فلسطين في ظل الخوف والحصار"، مؤكدة أن مشاركتها في المسيرات ستتواصل "وسنقاوم حتى نستعيد حقوقنا المسلوبة.
وانطلقت مسيرات العودة في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ 42 ليوم الأرض الفلسطينية، وارتقى خلالها أكثر من 200 شهيد، وما يزيد عن 20 ألف جريح حتى الآن.