يعيش أهالي قطاع غزة والضفة الغربية أجواء قطف موسم الزيتون، الذي يعدّه الكثيرون عرسًا فلسطينيًا مميزًا، ينتظره المزارعون وذويهم من العام للعام، ففيه من الأجواء والألفة والتعاون ما يجعلهم يشتاقون إليه وينتظرونه على أحر من الجمر.
هذا كان قبل ما يزيد عن عشرين عامًا، أما الآن فالحال اختلف والعادات والتقاليد تغيرت، وما كانت العائلة الفلسطينية تقوم به قبل عشرين عامًا، أصبحت تعزف عن القيام به حاليًا فيما يخصّ بموسم قطف الزيتون.
الحاج أيوب أبو سرور من قرية نعلين قضاء رام الله رغم كبر سنه؛ إلا أنه لا يزال يحافظ على كل ما تربى عليه فيما يخص التراث الفلسطيني، والذي يندرج ضمنه كل ما يتعلق بموسم الزيتون وقطفه وصناعة الزيت بالطريقة البدائية.
الحاج أيوب ورغم أن التكنولوجيا سيطرت على كل ما حوله وشغلت عقول الجيل الحديث، إلا أنه يحاول الاستفادة منها ونشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي يوضح فيها كل ما هو متعلقبالتراث والأكل الفلسطيني.
ومن ذلك نشره لفيديو عن إعداد زيت البدوديا؛ ليعلم أبنائه وأحفاده وبعض الأقارب كيفية صنعه، وليرى العالم كان المزارع الفلسطيني يأكل من زرع يديه، وكيف أن الصحة والعافية لا تأتي إلا من خير البلاد وعمل الأجداد.
وقال في حديث لـ"فلسطين": "موسم الزيتون له عادات وتقاليد أصبحت شبه منقرضة، فلم يعد هناك أحد يقوم بها كما كان في السابق، فقطف الزيتون الذي كنا نبدأه مع ساعات الفجر الأولى لتشرق الشمس علينا ونحن في الأرض أصبح من المستحيلات على الجيل الحديث".
وأضاف: "قديمًا أول قطفة من زيت الزيتون كنا نعد بها زيت البدوديا؛ عملًا بالمثل القائل "أول الثمار بطول الأعمار"،وكانت عائلات كثيرة تقطف الزيتون ويتعاونون مع بعضهم البعض".
وبين أبو سرور أنه كان على كل عائلة إعداد صنف من أصناف الحلويات المشهورة قديمًا، وتوزيعها على العاملين في قطف الزيتون، من أجل إمدادهم بالطاقة لمواجهة العمل الشاق، لافتًا إلى أن أجمل ما في هذا الموسم هو التعاون والتكافل والمحبة التي كانت سائدة بين الجميع.
واستدرك: "إلا أن مضايقات المستوطنين اليهود وإطلاقهم للخنازير على محاصيلنا الزراعية، وخاصة أشجار الزيتون ينغص علينا، فالخنازير تتلف جميع المحاصيل والأشجار".
وأكد أنه رغم كل ما تمر به أراضي الضفة الغربية من تهويد واستيطان فيها، إلا أن المزارع يعلم أن لا خير فيمن يستغنى عن أرضه ويعلم أبنائه وأحفاده كيف يحافظون عليها من الضياع.
أما في قطاع غزة، قد نجد أن هناك بعض الاختلاف في العادات والتقاليد الخاصة باستقبال موسم قطف الزيتون وعصره، إلا أن أجواء الألفة والتعاون والتكافل تبقى هي الأمر المشترك بين قطاع غزة والضفة الغربية.
الخبير الزراعي م. فتحي أبو شمالة أوضح أن زراعة الزيتون لا تختلف كثيرًا عن الضفة الغربية في السابق، إلا أن الاختلاف تزامن مع التغيرات التي فرضت نفسها على قطاع غزة، وهو ما انعكس على موسم قطف الزيتون.
وقال في حديث لـ"فلسطين" إن: "موسم قطف الزيتون وعصر الزيت كان عرسًا في السابق وينتظره الجميع، خاصة المزارعين الذين كانت تمثل لهم الزراعة مصدر رزقهم الوحيد، لذلك كان هناك الاهتمام كبير بزراعة الزيتون".
وأضاف أبو شمالة: "ورغم أن محصول الزيتون لم يكن المحصول الأول على مستوى القطاع سابقًا، والذي كان من نصيب الحمضيات، إلا أن المزارعين كانون يولون اهتمامًا بشجرة الزيت التي كان إنتاجها مصدر أساسي للطعام من الزيتون والزيت".
وأوضح أن المساحات المزروعة بأشجار الزيتون قبل 40 سنة أقل بكثير مما هو مزروع حاليًا، ففي السابق لم تزد المساحات المزروعة بأشجار الزيتون أكثر من 10 آلاف دونم، أما الآن فتصل المساحات المزروعة بهذه الأشجار إلى ما يقارب من 40 ألف دونم.
ولفت أبو شمالة إلى أن ملوحة المياه في قطاع غزة وقلة تصدير الحمضيات أثر على زراعتها ليغدو محصول الزيتون هو المحصول الأول الذي يتم زراعته والاهتمام به على مستوى القطاع بأسره.
ونبه أبو شمالة إلى أن انتاج الدونم الواحد حاليًا أصبح أضعاف ما كان عليه في السابق بسبب اهتمام المزارعين الكبير في الري والتسميد، مشيرًا إلى أن مضاعفة الانتاج تزامن معه إدخال المعاصر الحديثة للعمل حيث أصبحت تصل قوتها وإمكانياتها للعصر إلى70 طن في الساعة الواحدة.