يقولون إن مهنة الصحافة هي مهنة المتاعب، وفيما يبدو لي أنها كذلك وأكثر من ذلك، لأن القتل والاغتيال قد يلاحق الصحفي حين يكون حرًا، وصاحب مبادئ. هي مهنة المتاعب في أوروبا، ومهنة القتل والاغتيال في البلاد العربية والإسلامية للأسف؟!
في أوروبا يتمتع الصحفي بحرية الرأي والكتابة والنقد، وقد يكون سببا في إسقاط وزارة أو إقالة وزير، إذا تلطخت أيديهم بالفساد أو القتل أو القمع. الصحافة سلطة رابعة تستطيع محاسبة المتورطين في الفساد والقمع من خلال مخاطبة الرأي العام وكشف المستور. هم يتعبون ولكنهم غالبا ما يصلون إلى الحقيقة ويحققون النصر . هم يحظون باحترام بين الناس والمثقفين، وإليهم يلجأ المظلومون أحيانا.
في بلادنا العربية لا يتمتع الصحفي بحرية الرأي، ولا يحظى باحترام كبير، لأن أغلب الصحفيين يدفنون رؤوسهم في التراب عند مقاربة أخبار الحكام والملوك والسلاطين، وقلة قليلة هي التي تغامر بنقد الحاكمين، أو إسداء النصح لهم علنا في وسائل الإعلام. جميعهم يخشون السجن وبطش الحاكمين. خاشقجي كان واحدا ممن تجرأ في إسداء النصح لولي العهد السعودي، ونقد بعض إجراءاته بأسلوب ناعم، فيه كثير من التحفظ والحذر، ولكن يد البطش امتدت إليه بالخنق، والقتل والتقطيع، في صورة مأساوية غير متوقعة، كما تقول المصادر التي تتابع الموضوع؟!
مهنة المتاعب في أوربا، هي مهنة الموت عندنا. إما أن تكتب ما يريده الحاكم، وإن كان فيه تضليل للرأي العام، وإما أن تقتل. حتى إذا اخترت المنفى وكتبت منه رأيا حرًا ناقداً للحكم، فإنك لن تفر من القتل والموت عند مراجعتك لسفارة بلادك لاستخراج أوراق ثبوتية تلزمك للزواج أو السفر.
لا تخالف السلطان؟! احذر ؟! إن خالفته فبلدك محرمة عليك، والمنفى قبر لك عند أول فرصة سانحة، وملوك العرب لا يتسامحون مع من ينتقدون الملك أو ولاة العهد، لأن قلمهم يهدد بعباراته الناعمة كرسي الحكم، ويوقظ الغافلين، ويحرر الرأي العام من الضلالة. مهنة المتاعب هي مهنة الموت في بلادنا العربية، وعلى أصحاب المهنة أن يدركوا قبل التخصص والكتابة الحرة أن أعمارهم قصيرة؟! ومن أراد العمر الطويل فلا يتخصص صحافة، حتى تتحرر بلاد العرب من الاستبداد والبطش.