فلسطين أون لاين

حوار أجرته "فلسطين" قبل استشهاده بشهر

الشهيد الجعبري يروي تفاصيل صفقة وفاء الأحرار

...
غزة/ أسماء صرصور:

بعد عام من إتمام صفقة وفاء الأحرار، وقبل شهر واحد من استشهاده في عملية اغتيال، استطاعت صحيفة "فلسطين" وعبر مراسلتها أسماء صرصور، إجراء حوار مطول مع القائد الشهيد أحمد الجعبري مهندس صفقة وفاء الأحرار.

اشترط الجعبري يومها أن لا يُذكر اسمه ولا اسم الصحفية المحاوِرة، لاحتياطات أمنية، واليوم وبعد ست سنوات على هذا الحوار تقدم "فلسطين" ملخصًا لأبرز ما رواه الجعبري عن تفاصيل الصفقة.

تحدث الجعبري عن الإعداد لعملية "الوهم المتبدد" والتي اشتركت فيها مع كتائب القسام، ألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام، وصولًا للتنفيذ الفعلي للعملية صباح يوم الأحد 25/6/2006م الساعة 5:15 فجرًا، وبعد تنفيذ العملية بدأت الأخبار تسري بين المواطنين أن المقاومة أسرت جنديًّا (إسرائيليًّا)، وجاء دور المقاومة لتثبت أو تنفي صحة الخبر، فكانت البيانات العسكرية المتتالية.

بدأت أولى الوساطات بين طرفي المعادلة: الاحتلال والمقاومة بقيادة الوفد المصري، ثم تعاقب على الوساطة الإيرلنديون والألمانيون، حتى عادت الدفة للوفد المصري.

ولكن (إسرائيل) عوضًا عن المضي قدمًا في المفاوضات اعتدت على غزة أواخر 2008م، للبحث عن "شاليط"، وباء العدوان بالفشل، ليمنح القسام نقطة قوة؛ فوصلت لاتفاق مع الاحتلال للإفراج عن 20 أسيرة من الأسيرات الفلسطينيات مقابل شريط (فيديو) يظهر "شاليط" حيًّا، وهو شريط ظهر فيه "شاليط" مرتديًّا زيه العسكري، وجالسًا على كرسي وخلفه خلفية لا يمكن تمييزها، وبيده عدد صحيفة "فلسطين" الصادر في 14/9/2009.

ولغز اختفاء "شاليط" في قطاع غزة حير مخابرات الاحتلال وعملاءه، إلا أن الإفلاس الذي مُني به جعله يحدد جائزة مالية مجزية لمن يدلي بأي معلومة عن مكانه، عبر بث رسائل مسجلة لأهالي غزة، وصلت إلى هواتفهم النقالة والثابتة، وبثها عبر الإذاعات المحلية مخترقة تردداتها.

وفي الخميس 6/10/2011، وصلت صفقة التبادل إلى لحظات المخاض، فوُقّع الإطار العام النهائي للصفقة، وبعد مرور أيامٍ خمس، وبالتحديد في الثلاثاء 11/10/2011م، وضعت النقاط على الحروف، بعد اجتماع استمر 24 ساعة متصلة، فاتفق على "450" اسم أسير ليفرج عنهم في المرحلة الأولى من الصفقة، ومن منهم سيبعد إلى غزة أو إلى الخارج.

ومع اقتراب اليوم الموعود، تلبدت سماء غزة بطائرات الاستطلاع ، لعلها تظفر بمراقبة دقيقة تكشف لها عن مكان وجود "شاليط"؛ فيكون هدفًا سائغًا لصواريخها وتريح نفسها من مرارة الإفراج عن الأسرى، لكن المقاومة مجددًا لعبتها بذكاء.

فالموعد المتفق عليه هو تمام التاسعة، ولكن الفريق المقاوم تحالف مع عقارب الساعة، وطالبها أن تسير بخطاها الهادئة نحو العاشرة، تضليلًا لكل من جندهم الاحتلال عيونًا، حتى إن رئيس الوفد (الإسرائيلي) اتصل برئيس الوفد المصري يسأله: "هل تسلمت "شاليط"؟"، فضحك المصري وهو يقول له: "الزنانة أكيد شايفة اللي بيحصل، إزاي تسلمته وهي ما أكدتش الخبر ليك؟!"، وفي لحظة واحدة ومن مواقع مختلفة في القطاع خرجت مواكب متعددة من سيارات (الجيب) البيضاء؛ فسببت إرباكًا للجميع.

وفي مشهد مهيب تجمعت السيارات البيضاء كلها في معبر رفح، ونقلت (كاميرات) الإعلام صورة للوحة جلدية كبيرة كُتب عليها: "الوهم تبدد.. والوعد تحقق"، في إشارة إلى كسر مقولة: "الجيش الذي لا يقهر".

والمعبر أخلي من المسافرين، وظهر علنيًّا من الوفد المقاوم القيادي في كتائب القسام "أحمد الجعبري"، وحوله مجموعة ملثمة من شباب القسام، وبينهم ظهر "جلعاد شاليط" بعد مرور خمس سنوات وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يومًا وخمس ساعات بالضبط على أسره، ومجموعات القسام تقوده بلباس مدني، لا ببزته العسكرية التي كان يرتديها لحظة أسره وظهر فيها بشريط (الفيديو)، وكأن القسام أرادت أن تقول للاحتلال (الإسرائيلي): "أخذناه جنديًّا ونعيده مدنيًّا".

وقابل "شاليط" عبر "الفيديو كونفرنس" الوفد المفاوض الإسرائيلي، ليصدر بعدها أمر التحرك لحافلات الأسرى لتنقل المحررين.

عبرت الحافلات إلى المعبر المصري، واستقبل رئيس الوزراء –آنذاك- "إسماعيل هنية" الأسرى المحررين الوافدين إلى غزة، لتبقى "ثقة" الوفد المقاوم في المخابرات المصرية هي الدافع والأمل لاستكمال الصفقة، والإفراج عن "550" أسيرًا آخرين بعد شهرين، وقد كان.