انهارت, أمس, الرهانات الإسرائيلية على حدود غزة، وفشلت التهديدات التي سمعناها على مدار الأسبوع الماضي من قادة الاحتلال، وعلى رأسهم نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، ووزير الجيش ورئيس الأركان، ليبدو فيها أنه أصبح جيشًا للجعجعة والمناكفات السياسية الحزبية الداخلية، وممارسة الحرب النفسية، اعتقادًا منه أن ذلك سيجبر المتظاهرين على التراجع والخوف والنزول عند تهديداته.
شاهدنا أمس المتظاهرين كما هو حال كل يوم جمعة، بل أكثر تحدّيًا وإصرارًا على المشاركة وتفعيل النشاطات وزيادة الحشد الجماهيري، ورسالتهم واضحة، لن نقبل إرهابكم، ولن نستسلم لتهديداتكم، وأن المحتل هو المطالب بالتوقف عن إرهابه وحصاره.
رسائل كثيرة حملتها جمعة "غزة تنتفض والضفة تلتحم"، أولها: أن مسيرات العودة تجتاز محاولات النيل منها أو إيقافها، بالقوة والإرهاب والتهديد، وأن الجمهور الفلسطيني مستمر فيها، ولو كان ثمنها مزيدًا من التضحيات والدماء، حيث يتقدم الآلاف بصدورهم العارية في وجه آلة الغطرسة الإسرائيلية.
سقطت رهانات الاحتلال على حدود غزة، واستمرت البالونات الحارقة، وواصلت فرق الإرباك الليلي عملها، ومتوقع المزيد من الأساليب خلال الأيام القادمة، وستكون أكثر تأثيرًا، وبمشاركة أوسع من قطاعات المتظاهرين.
ننتظر أسبوعًا جديدًا من التهديدات والتجاذبات والخلافات الإسرائيلية الداخلية في التعامل مع مسيرات العودة التي لخصها صحفي إسرائيلي أمس بقوله: "على المستوى التكتيكي تتشابه الأحداث اليوم على الأرض مع الجُمع الماضية أكثر أو أقل, ستتضح الصورة في وقت لاحق، لكن الصورة الأهم أن حماس على الرغم من أسبوع متوتّر وخطير مضى، إلا أنها قررت الاستمرار بنفس الوتيرة من العنف وعدم التراجع"، هكذا هو ملخص المشهد الفعلي، أن مسيرات العودة متواصلة ومستمرة، حتى تتحقق أهدافها المعلنة لها.
كشفت مسيرات العودة عن حجم الإرباك الإسرائيلي في التعامل مع الأحداث، حيث يقع تحت ضغط سياسي وعسكري كبير لإيقافها بأي ثمن، وبأي نتيجة، لكنه في ذات الوقت يخشى أن ينجر إلى مواجهة غير محسوبة النتائج، ومواجهة لا يحسمها، ولعل حادثة إطلاق الصواريخ على بئر السبع وجنوب "تل أبيب" تدلّل على أن الجيش الإسرائيلي أمامه الكثير ليفعله، حيث فشلت القبة الحديدية في اعتراضها، والقوة التدميرية الهائلة لها، وبغض النظر عن ظروف إطلاقها, لكن كشفت بشكل جلي عن عدم استعداد الجبهة الداخلية لمواجهة الأحداث.
إذًا، نحن أمام مرحلة جديدة من مسيرات العودة، تكشف فيها الواقع الفعلي للاحتلال، وما حققته مسيرات العودة من إنجازات في سبيل التحرر من الاحتلال، وتعرية مواقفه، وهو ما يتطلب فلسطينًا تكثيف الجهود نحو تفعيل المسيرات بشكل أقوى، ومعالجة ما يترتب عليها من نتائج وخاصة ملف الجرحى الذي ما زال بحاجة لمزيد من الاهتمام والمعالجة وخاصة توفير الأدوية وتسهيل السفر لمن يستحق من العلاج، وتقديم العون لعائلات الشهداء.
الجمعة القادمة سنكون أمام جمعة جديدة وهي الحادية والثلاثون، على درب أخواتها في الأشهر الماضية، ومرحلة أخرى من مواجهة الاحتلال واستنزافه، على كل الصعد، وليكتب الناطق باسم جيش الاحتلال ما يريد من بيانات وينشر ما يحلو له من تصريحات فالجمهور المقاوم هو المنتصر.