فلسطين أون لاين

الإيمان أصل، والسياسة فرع (٢)

ما من شك أن غزة تعيش الفقر، والبطالة، والحصار، والعقوبات. وتعيش في الوجه المقابل المقاومة، ومسيرات العودة، ومواجهة المعوقات السابقة أيضا، فهي في ابتلاء وامتحان، وفي مثل هذه الحالة يجدر أن تتقدم النظرة الإيمانية على النظرة السياسية، أو تتزاوج معها إيجابيا على الأقل .

يرى بعض المتعجلين أنه يمكن الجمع بين الجهاد والرفاهية معا في كل وقت وحين، وهذا خطأ يكشفه الفقه، ويفضحه التاريخ. ويرى بعضهم أن الفقر وتفوق العدو في العتاد يمنعان الجهاد، ومن ثمة يجدر بغزة وأهلنا في فلسطين أن يتوقفوا عن المقاومة، وعن مسيرات العودة، لأن الناس فقيرة ومنهكة، وفي هاتين الرؤيتين نظر.

إن الفقر، وتفوق العدو، لم يمنعا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقاتلة الروم. تروي كتب السير أن غزوة تبوك ضد الروم، كانت في وقت فقر وشدة، حتى كان الصحابة يأكلون ورق الأشجار من شدة الجوع، وكان كل ثمانية عشر صحابيا يتناوبون على جمل واحد، في مسيرة من المدينة إلى تبوك تستغرق خمسة عشر يوما ذهابا، ومثلها إيابا، ولم يمنع هذا رسولنا الكريم من إرسال المقاتلين لهذه المعركة، التي انتهت بدون قتال، بعد أن تراجع الروم عن غزو المدينة، حيث قالوا: ما خرج المسلمون لنا إلا لقوة فيهم، لذا لا يجدر أن نغزوهم.

لذا يمكن القول من منطق إيماني متزاوج مع السياسة بشكل موجب، إن مقاومة العدو في فلسطين بأشكال مختلفة ومنها مسيرات العودة في غزة يجب ألا تمنع من مقاومة العدو، وإغاظته، وإحباط مشروعه لتصفية القضية بصفقة القرن أو غيرها، ومن يمتنع عن المقاومة والجهاد بحجة الفقر والبطالة وتفوق العدو، ويحلل الحالة القائمة سياسيا بمعزل عن الإيمان، يكون مخطئا، ويقع في فخاخ العدو التي نصبها بالحصار والعقوبات.

إن انتظار الغنى والرفاهية من أجل ممارسة المقاومة نظرة فاسدة، والاستراحة في بيت الغنى والرفاهية تعيق المقاومة والجهاد. وإن انتظار تحقيق توازن أو تفوق على العدو في العتاد العسكري معوق آخر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتظر الأمرين البتة. الإيمان أصل والسياسة فرع. وفي الحديث: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي".