على عتبة كل شهر تقصد الحاجة السبعينية عائشة اللحام مركز خدمات صحة مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لتحصل على كميات جديدة من الأدوية العلاجية الخاصة بمرضها (ارتفاع ضغط الدم)، مع انتهاء الكمية التي حصلت عليها في وقت سابق.
ولا تنقطع رحلة الحاجة السبعينية اللحام عن مركز خدمات المدينة شهريًّا منذ 30 عامًا، بداية إصابتها بالمرض المزمن (ضغط الدم المرتفع)، غير أن لرحلتها في السنوات الأخيرة منحى قاسيًا على نفسها، لصعوبة تحركها، وتراجع صحتها، واضطرارها إلى العودة للمركز مرات أخرى، بسبب نفاد الأدوية.
ولا تخفي الحاجة اللحام في حديث إلى صحيفة "فلسطين" صعوبة مرضها، وقسوته على نفسها، في حال خلا صندوق صيدليتها المنزلية من الأدوية الخاصة بها المتعلقة بمرض ارتفاع ضغط الدم خاصة، إذ إن عدم تناول حبوب الدواء يوميًّا يعكر صفوها، وينتابها أعراض من الصداع القوي، وإعياء شامل، وعدم انتظام ضربات القلب، وارتفاع درجة حرارتها.
أما المواطنة جميلة السطري فتتوجه لمركز صحة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، كل ثلاثة أشهر، لنيل دفعة من الأدوية الخاصة بمرض ارتفاع ضغط الدم الذي أصابها منذ 20 سنة.
تذكر الستينية السطري لـصحيفة "فلسطين" أن انتهاء جرعات الأدوية لديها يلزمها بالذهاب إلى الوحدة الصحية التابعة للوكالة، لكن صحتها لا تسعفها للمشي والتحرك كثيرًا؛ فتؤخر ذهابها أكثر من يوم مستعيضة بأدوية خاصة تكفيها أيامًا قليلة، تشتريها من الصيدلية القريبة من منزلها.
وتلفت إلى أن خلو صيدلية الوكالة من العلاج الخاص بها لدى زيارتها التي يحدد موعدها الطبيب المشرف على حالتها، يلزمها بالعودة مرة أخرى إلى المكان، ما يزيد من معاناتها.
وإذا ما تفاجأت بانتهاء العلاج الخاص بها مساء تضطر السطري إلى الاتصال بابنتها القريبة من بيتها لإرسال بعض الأدوية لها، لتشابه حالتيهما الصحية وطبيعة الأدوية التي تتناولانها، ما يضمن عدم شعورها بآلام عدة في جسدها.
تقول رئيس قسم الأمراض المزمنة في الإدارة العامة للعناية الصحية الأولية في وزارة الصحة د. أمل زقوت: "إنّ 13 ألفًا و430 حالة مصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم مسجلة لدى وزارة الصحة بغزة، ويترددون إلى مؤسساتها ولديهم ملفات خاصة بهم".
وتبين زقوت لـ"فلسطين" أنّ العلاج الأمثل لمرضى ارتفاع ضغط الدم في حال ثبوت الإصابة به في المؤسسات والعيادات الصحية هو رياضة المشي، والتقليل من كميات الملح في الطعام، أما في حال بقي معدل قياس الضغط مرتفعًا فينصح بالالتزام يوميًّا بتناول الأدوية الخاصة به.
وتشير إلى أن حالة الناس المادية البسيطة التي اتسعت أخيرًا، وخلو وزارة الصحة أو وكالة الغوث من الأدوية الخاصة بمرض "الضغط" في بعض الأوقات يترتب عليهما اضطرار المرضى إلى اشتراء الأدوية على حسابهم الخاص وتناولها بكميات قليلة، عشوائيًّا دون انتظام، في وقت هم بحاجة لتناولها يوميًّا، في حين يمتنع بعضٌ نهائيًّا عن تناول الأدوية لعدم توافر المال لاشترائها.
وتلفت زقوت إلى أن عدم تناول الأدوية بانتظام يؤدي إلى ارتفاع دائم في ضغط الدم لدى المريض، وإمكانية حدوث انفجار في الأوعية الدموية، يسبب الجلطات والوفاة مباشرة.
وتضيف: "إن من ينجو من انفجار الأوعية الدموية -وهم قلة- يصابون في الأغلب طيلة حياتهم بالشلل النصفي، ما يفتح المجال أمام أدوية علاجية أكثر، والدخول في مراحل ومتطلبات للعلاج الطبيعي، ورعاية الآخرين لهم بدلًا من رعاية ذواتهم بأنفسهم".
وتؤكد زقوت أن الحصار المفروض على قطاع غزة له علاقة مباشرة بخلو مؤسسات وزارة الصحة في بعض الأوقات من أدوية مرض ارتفاع ضغط الدم.
ووفق إفادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن نحو 45 ألف حالة مسجلة في قوائم مؤسسات الوكالة الصحية الخاصة بارتفاع ضغط الدم، حتى الشهر الماضي أيلول (سبتمبر)، ونسبة انتشاره 20% بين الفئة العمرية 40 سنة فأكثر في محافظات قطاع غزة وحدها.
وتتسبب الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة في رام الله على قطاع غزة منذ آذار (مارس) 2017م، والحصار المشدد منذ 12 سنة، في معاناة إضافية لمرضى ضغط الدم بغزة.

