يبيت الستيني حمادة الخباز في قسم الصدرية بمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، خمسة أيام شهريًّا، للحصول على الرعاية الطبية اللازمة، وبعض الأدوية التي يحتاجها ولا يستطيع اشتراءها من الخارج لارتفاع أثمانها.
لكن يزيد العبء على "الخباز" نقص بعض الأدوية نتيجة الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة منذ 12 سنة، والإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة منذ آذار (مارس) الماضي، وتمس قطاعات حيوية، كالصحة والكهرباء، وغيرهما.
وأصيب الخباز بمرض التهاب الشعب الهوائية قبل 10 أعوام، بسبب التدخين، واستنشاقه هواء ملوثًا؛ لكونه يعمل سائق أجرة، ليكتشف الأطباء إصابته بمرض السدة الرئوية.
ومرض السدة الرئوية التهاب مزمن في الشعب الهوائية ينجم عنه انتفاخ في الرئة، يعيق تدفق الهواء من الرئتين ما يؤدي إلى فقدانهما جزءًا من وظيفتهما، بحسب إفادة اختصاصي الأمراض المزمنة والصدرية ومناظير الرئة في وزارة الصحة د. محمود الخزندار.
واستنشاق الهواء الملوث والأدخنة أحد مسببات المرض.
ولم يكن الخباز منتبهًا للتحذيرات المتكررة من خطورة التدخين، إلى أن اشتد مرضه؛ فتمنى أن تعود به الأيام إلى الوراء ليمتنع عن السجائر.
وفي إحدى غرف قسم الصدرية في المجمع يجلس الخباز على سرير المرض، وتتصل بيده اليمنى أنابيب لنقل الأدوية التي تذاب في محاليل إلى جسده.
وتعود بدايات مرضه لنحو عشر سنوات، حين شعر بضيق شديد في النفس وعدم قدرة على الحركة، لينقل على إثر ذلك إلى المجمع ويكتشف أنه يعاني مرض السدة الرئوية، ومنذ ذلك الوقت يعيش "الخباز" على الأدوية والمسكنات لمحاولة التخفيف من ألمه.
وفي الغرفة المجاورة للخباز يتجهز الخمسيني محمد عاطف لمغادرة المستشفى، بعد أن أتم علاجه الذي استمر أربعة أيام، فمنذ سبع سنوات أصيب بالتهابات حادة في الشعب الهوائية أدت إلى اكتشاف إصابته بمرض السدة الرئوية.
ويذكر عاطف (وهو من سكان مدينة غزة) أنه قبل نحو سبع سنوات بدأ يشتكي من سعال مزمن، وتكون المخاط وصعوبة التنفس، توجه بعدها إلى إجراء بعض الفحوصات الطبية، ليكتشف أنه مصاب بالسدة الرئوية.
ويشير عاطف الذي عمل في تعبيد الساحات والطرق وعزل الأسطح إلى أنه يضطر إلى المبيت في المستشفى، أربعة أيام كل خمسة أشهر، بسبب عدم مقدرته على التنفس بسهولة، لافتًا إلى أنه بحاجة إلى تناول الأدوية يوميًّا.
يقول لصحيفة "فلسطين": "إن الأدوية اللازمة لي لا تتوافر في المستشفيات بسبب الحصار، ما يضطرني إلى اشترائها من الصيدليات، لكن سعرها يصل إلى نحو 100 دولار، وبصعوبة أستطيع توفيرها".
مراحل المرض
ويشتكي المريض في بداية الإصابة من سعال مزمن، وتكون المخاط وصعوبة التنفس، ثم الفشل الرئوي لنقص الأكسجين أو ارتفاع ثاني أكسيد الكربون، ويصاب بنوبات حادة تؤدي إلى دخوله المستشفى أو العناية المركزة نتيجة فشل حاد في عمل الرئتين، إضافة إلى ضعف عضلة القلب، وارتفاع ضغط الدم الرئوي، وفق قول الخزندار.
ويبين اختصاصي الأمراض المزمنة والصدرية ومناظير الرئة أن أسباب المرض: تدخين التبغ، واستنشاق الدخان، وتلوث الهواء، والالتهابات الرئوية التي ينجم عنها انخفاض كفاءة عمل الرئة، وتبدأ معها مراحل الإصابة بالفشل الرئوي.
"وعادة ما تكون أعراض المرض في بدايته خفيفة ومزمنة، وقد لا يشعر بها المريض، كسعال بسيط مع بعض المخاط، وضعف في التنفس، وضعف بالشهية، وفقدان مزمن للوزن، وتزداد حدة في فصل الشتاء" يضيف.
ويعاني نحو 10% من سكان قطاع غزة مرض السدة الرئوية، وفق إفادة الخزندار، الذي يدعو لتجنب الإصابة بالمرض إلى: الإقلاع عن التدخين السلبي وتجنب الإيجابي، وتهوية مكان العمل لتجنب استنشاق الأدخنة، وصيانة السيارات التي تنبعث منها عوادم كبيرة أو وقفها، والتقليل من حدة التلوث.
ويحتاج مرضى السدة الرئوية إلى أدوية مددًا طويلة ومنتظمة، لكن أثمانها مرتفعة، ولا يقدر بعض المرضى على توفيرها بسبب تدهور أوضاعهم الاقتصادية، في حين يحتاج آخرون أجهزة لتوفير الأكسجين على مدار الساعة، ما يتطلب توفير تيار كهربائي منتظم.
ويشير إلى أن بعض أدوية السدة الرئوية التي يحتاجها المرضى لا تتوافر في وزارة الصحة أو المؤسسات الدولية العاملة في القطاع، ما يدفع بعض المرضى إلى توفيرها على نفقتهم الخاصة.
وحذرت وزارة الصحة بقطاع غزة في وقت سابق من انتكاسات خطيرة على صحة آلاف المرضى المصابين بأمراض مزمنة، بسبب نفاد 70% من أدوية الرعاية الأولية من مستودعاتها