الضفة الغربية تغلي، وهناك نار تحت الرماد، الرعب القادم من الشرق، كلها تصلح استنتاجات يصل إليها المتابعون والمحللون، لكن الإشكالية التي يقع فيها المؤيدون والمعارضون لهذا الاستنتاج أن كل عملية فدائية تختلف في ظروفها وطبيعة منفذها وشخصيته، والمعلومات التي تصل إليها أجهزة المخابرات الإسرائيلية عنهم، كما يحدث بعد كل عملية فدائية، والأكثر إثارة هو طبيعة الشبان الذين يبادرون لتنفيذها.
لذلك عجزت المخابرات الإسرائيلية عن الوصول لهم قبل التنفيذ، حيث يصبح كل واحد منهم مختلفًا عن الآخر، فمنفذ عملية مستوطنة بركان جنوب نابلس أشرف نعالوة، تختلف مواصفاته وظروفه عن خليل جرادات الذي خرج من جنوب الضفة الغربية قبل أسبوعين وقتل مستوطنا.
النتيجة ثقيلة في عملية المقاوم أشرف من مدينة طولكرم، وهي مقتل مستوطنين وإصابة ثالث بجراح حرجة، وباستخدام سلاح رشاش. وتدعي المصادر الإسرائيلية، أنه كان يمكن أن تكون أكثر بكثير لو استمرت لمزيد من الوقت، وقد انسحب بسلاح، وعند البحث عن ظروف أشرف تجد أنك تتحدث عن شاب يعمل ويتلقى راتبا مجزيا، وحاصل على تصريح للعمل في المستوطنات، ويبدو من طبيعة منزله أنه يعيش وضعا اقتصاديا مريحا، ولا يعاني أي إشكالات يسوقها الاحتلال ضدمنفذي العمليات الفدائية لتشويه صورهم.
والدة أشرف لخصت الحكاية بقولها: "أنتم – الاحتلال- السبب فيما حدث"، ولم تبدِ الندم، لأن الاحتلال هو من يقتل ويدمر، ودفع أشرف للقيام بذلك، وهنا يكمن الفشل الإسرائيلي، ويجر ذيول الخيبة لقادة الجيش هناك الذين تفاخروا قبل أيام أن لديهم وحدات متخصصة في متابعة الشبان الفلسطينيين، لكن أشرف كان من النوع المختلف، حيث كتب في صفحته عبارات تؤشر على أنه متجه لذلك، ونفّذ عمليته باحتراف، كما فعل خليل جرادات الشاب اليافع عندما أقدم على طعن مستوطن يعمل مسؤول أمن في المستوطنات، وذا بنية جسمية عسكرية، لكن تمكن الشاب منه وقتله حتى الرمق الأخير.
اختلاف ظروف العمليتين وأدواتهما ووسائلهما, يكشف لنا أن الضفة الغربية لن تنام، وأن منفذي العمليات وحدهم من يعرفون كيف ينفذونها، ويواجهون البيئة الأمنية القائمة على التنسيق الأمني، ويخفون ذلك عن أقرب المقربين، كما فعل الاثنان؛ في الأولى اعتقل جرادات، بينما نعالوة ما زال حرًا، وعلى الرغم من الأيام القليلة التي مرت على العملية فإن الاحتلال عزز الضفة الغربية بكتيبتين من الجيش لملاحقته، وهنا نتذكر الشهيد أحمد جرار، والاختلاف أن جرار كان مؤطرًا بانتمائه لحماس، وساعدت بعض الظروف في الوصول له، لكن في حالة أشرف قد تختلف الظروف، وهناك زيادة في الوعي الأمني لدى الجمهور، ولدى المنفذين.
انتظروا العملية الفدائية القادمة في الضفة الغربية التي لا يعرف من أين ستأتي ومن المنفذ، لكن الأهم هو أن العملية القادمة حتمية، لاستمرار الاحتلال وانتهاكاته في غزة والضفة، ولعل المقاوم أشرف خرج مناصرًا لغزة، لكن المؤكد أن أشرف ومنفذ العملية القادمة يجمعهما أنهما مقاومان يذهبان للشهادة، ويوجهان ضرباتهما لأجهزة أمن الاحتلال بحرفية عالية، وإصرار قل نظيره، للنيل من الاحتلال، وبطريقتيهما يحطمان إنجازات التنسيق الأمني التي يتباهى بها الاحتلال، وغيره، ليصبح أثرًا بعد عين، ويجر ذيول الخيبة والخسران.