من المتورّط في تسريب العقارات في القدس المحتلة وخاصة في البلدة القديمة للمستوطنين؟ تساؤل باتت الإجابة عليه أمرا ملحا، كون البلدة القديمة لها خصوصية عند المسلمين لا يمكن التهاون في كل شبر فيها، فكيف إن جرى تسريب منزل فلسطيني وبيعه للمستوطنين من أشخاص معروفة هويتهم، يضاف إلى 79 عقارًا مسربًا منذ احتلال القدس، ولماذا اكتفت السلطة الفلسطينية بإدانة الحادثة دون التدخل لمحاسبة المتورطين؟
في البلدة القديمة يتمسك المقدسيون بمنازلهم (يفضلون الموت جوعا على بيعها). عرضت عليهم ملايين الدولارات لكنهم لم يفرطوا بمنازلهم، لذا ليس من السهل تسريبها، لكن السؤال هنا: ما الحل لحماية 5500 عقار في البلدة القديمة؟ هل بشرائها من "الأوقاف الإسلامية" وتحويلها لوقف أم بتحويلها باسم "عقار الذرية"؟
جهات مقدسية كانت قد أعلنت مؤخرا، عن استيلاء مستوطنين يهود، على عقار يقع في عقبة درويش بحي السعدية في البلدة القديمة، وهو بناء كان يستخدم عيادة طبية، ويعود بالأصل لعائلة "جودة"، باعته قبل أكثر من عام لرجل أعمال بارز اسمه "خالد العطاري"، وهو مسؤول سابق بأحد بنوك رام الله وصاحب عقارات.
مساهمة أوسلو بالتسريب
الباحث والمختص في شؤون القدس د. جمال عمرو يشير إلى أن المجتمع المقدسي متماسك ويحكمه نظام تاريخي في فلسطين بفتاوى دينية تحرم بيع العقارات للاحتلال و"تكفر" أي جهة أو شخص فلسطيني يبيع أي عقار للمستوطنين أو أي جهة إسرائيلية أخرى، ومن يفعل ذلك لا يكفن أو يغسل ولا يدفن بمقابر المسلمين.
وقال عمرو لصحيفة "فلسطين": "إن ما سبق كان قبل احتلال فلسطين، ومع مرور الزمن تغيرت الأحوال وأصبحت الفتاوى السابقة فارغة المضمون، حيث كان اتفاق أوسلو الذي منح فرصة لتحرك "السماسرة" و"العملاء" في القدس والضفة الغربية والتآمر على بيع العقارات لصالح الاحتلال"، متهما السلطة بحماية هؤلاء "السماسرة".
وأوضح عمرو أن "السماسرة" يتحركون بحذر ويتنقلون بالقدس بسيارات خاصة وفق إجراءات أمنية إسرائيلية شديدة الحذر، وهم معروفون لأهل القدس، ويتنقلون بفنادق الضفة و"رام الله"، ولا تلاحقهم أجهزة أمن السلطة التي تلاحق الأسرى المحررين وتعتقلهم.
وحول المتورط في بيع البيت الذي سرب لمستوطنين بالقدس أخيرا، بين عمرو أن المهم في الأمر أن نقل الملكية جرى من خلال خالد العطاري وهو من باعه لمستوطنين، وأن وثيقة التنازل نشرت باسمه، وهو من منحته أجهزة أمن السلطة "شهادة تزكية وطنية"، لكن ثبت العكس.
وتابع: "الرعب الشديد الذي يسود الأوساط الفلسطينية المسؤولة في القدس هو امتلاك (العطاري) عقارات بملايين الدولارات، وإمكانية أن يكون قد باعها للمستوطنين".
وقال عمرو: "استطعنا انتزاع منزلين كانا على وشك البيع عامي 2015، و2018، وجرى تحويلهما لوقف إسلامي بتوقيع الأوقاف الإسلامية بالقدس".
ويبلغ عدد العقارات في البلدة القديمة 5500 عقار موزعة في الحي الإسلامي والمسيحي والأرمني (كمبانٍ ومحال تجارية، ومدارس، ومساجد، ومنازل)، يضاف إليها 80 منزلاً سربت للمستوطنين منذ احتلال القدس عام 1967، مشيراً إلى أن عدد الفلسطينيين الذين يعيشون بالبلدة القديمة – البالغ مساحتها 760 دونما و144 دونما مساحة المسجد الأقصى- 32 ألف مقدسي يتمسكون بكل شبر فيها بـ"شكل أسطوري".
"عقارات الذرية"
وتساءل عمرو: "لماذا لا تشترى العقارات من المقدسيين المضطرين لبيع منازلهم لغرض السفر أو الفقر وتحويلها لوقف إسلامي لصالح الأقصى من خلال الأوقاف الإسلامية الأردنية"؟
"فلسطين" نقلت السؤال لمدير متابعة شؤون القدس والأقصى بوزارة الأوقاف الأردنية، عبد الله العبادي، الذي بدوره أوضح أن الأوقاف الإسلامية هي التي حمت أملاك القدس وأن هناك أوقافا إسلامية ومسيحية يبلغ عددها أكثر من 1100 عقار محمية بموجب القانون – رغم أن الاحتلال في بعض الأحيان لا يحترم ذلك – لكنها لا تتعرض للتسريب.
وقال العبادي لصحيفة "فلسطين"، إن الأوقاف الإسلامية اشترت خلال السنوات الماضية أكثر من 5 عقارات بملايين الدولارات شرقي القدس وليس فقط بالبلدة القديمة وجرى تحويلها لمدارس، وأن لديها مشاريع لإقامة مبانٍ ومدارس وقفية على كثير من الأراضي، مستدركا: "نقوم بذلك قدر المستطاع رغم موازنتنا الحالية وظروفنا الاقتصادية لا نستطيع شراء كل العقارات".
وعن إمكانية وجود تسريب غير معلن بالأوقاف المسيحية، أوضح أنه –وفق ما وردهم من معلومات مؤكدة– "لا يوجد تسريب للأوقاف المسيحية وهي محمية بطريقة قانونية، رغم وجود محاولات من الاحتلال للسيطرة عليها".
وأفاد بأن دائرة الأوقاف الأردنية خاطبت الهيئات الإسلامية الدولية، والبنك الإسلامي للتنمية بجدة، ودولا عربية عدة بشأن شراء العقارات بالقدس ليتم تحويلها لوقف إسلامي، إلا أن "الاعتذار" كان النتيجة على تلك المخاطبات.
وأشاد العبادي بصمود أهالي القدس والانتماء لأرضهم، مستدلاً بحادثة حينما عرض مستوطنون مبلغ 200 مليون دولار على عقار لا تزيد مساحته عبل 100 متر مربع، لكن صاحب المنزل رفض وحول منزله لوقف إسلامي.
"عقارات ذرية" هي الحل الممكن والأمثل، وفق العبادي، لحماية العقارات بالبلدة القديمة ومناطق القدس، وذلك بتحويل الناس أملاكهم ومنازلهم لوقف إسلامي بالاسم السابق وتسجيلها في "دائرة الأوقاف" لمنع "التسريب"، وفي نفس الوقت تضمن حق نقلها وتوريثها لأبنائهم.
وعن حادثة بيع منزل بالبلدة القديمة لمستوطنين، وصفها المسؤول الأردني بـ"الشيء المؤسف ولا يمكن تصوره"، مشيرا إلى أن الأوقاف علمت بالأمر قبل فترة وحاولت بعدة طرق منع تسريبه، لكن جرى التحايل والالتفاف من البعض (رفض الإفصاح عن هويتهم) وتسريبه للمستوطنين كونه ليس عقارا وقفيا ويعود لأناس عاديين "كأوقاف ليس لنا أي ولاية عليها" وفق العبادي.