ما من شك أن الدين أصل والسياسة فرع، ولا بركة في السياسة إذا فارقت الدين، ومن هذا النبع الصافي الزلال أودّ أن أقارب مسألة اختلاط شكوى الناس بغزة من الأوضاع الصعبة وانحراف بعض المشتكين عن جادة الصواب عن غير قصد أو سوء نية بشكوى الله للناس.
بعض الناس يستبد بهم ألم الفقر والبطالة فيشكون الحال، يخلطون معها شكوى الله سبحانه بغير قصد كما أسلفت، ومن الخطأ والجهل شكوى الخالق إلى المخلوق، ولو تزكى هؤلاء لوجدوا في الصبر والاحتساب ملاذا وحصنا لهم من الزلل. الناس تخدعها مناورات السياسيين فيربطون بين الابتلاء بالفقر والبطالة والحاجة بحماس، أو بخيار المقاومة، فيقعون ضحايا التضليل الذي تمارسه (إسرائيل) من ناحية، ومحمود عباس وسلطته من ناحية أخرى، فيما الحقيقة الإيمانية تقول غير ذلك، ولتقريب الصورة من الأذهان نعود إلى سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، فنقول:
كان عمر رضي الله حاكما راشدا عادلا، وقد ابتلى الله المسلمين في عهده بما يعرف في التاريخ بعام الرمادة، حيث جف الزرع، وهلك الضرع، ولم يجد الناس طعاما فأكلوا ورق الأشجار، وفي نفس العام ابتلاهم الله بطاعون عمواس، حيث مات فيه جماعة من خيرة الصحابة، والدرس في ذلك أنك لم تجد مسلما واحدا يحمّل عمر مسؤولية الفقر والمرض، بل وقفوا جميعا وقفة المؤمن المحتسب، يستمطرون رحمة الله، ويجتهدون في معالجة ما هم فيه من ابتلاء.
أعرف جيدا أن عمر كان عادلا راشدا، لذا لم يتهمه الناس، وأعرف أن السلطة موضع اتهام الناس، بسبب عقوباتها الخرقاء، وتعاونها مع (إسرائيل). وأعرف أن الفرج لا يرتبط بتنازل حماس عما في يدها للسلطة الفاشلة، ولكن مع ذلك نريد أيضا أن ينظر الناس لما هم فيه من ابتلاء نظرة إيمانية، وأن يبحثوا عما في هذا الابتلاء من خير، على قاعدة: عجبًا للمؤمن إن كل أمره له خير، إن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له، ومن ثمة يجدر بكل مؤمن أن يحذر شكوى الله للعباد، أو ربط الابتلاء بالجهاد في سبيل الله. ولا بركة في السياسة أو المواقف الحزبية إن فارقت الدين، وعارضت الإيمان.