المتأمل للواقع الذي نعيشه ربما يُصابُ بإحباطٍ وهو يرى ظُلمَ الظالمين وتجبّر الطغاة المُتكبّرين.. قهرٌ وقتلٌ وتشريدٌ وحصارٌ لملايين المسلمين، والعالمُ الظالمُ المنافق الذي يتغنّى ويتشدّق بحرية الإنسان يصمت صمت القبور، وربما أرعد وأبرق فأخرج تقريراً يحمل تحليلاً للواقع الأليم وربما صدرت من بعضهم إدانة أو شجب ليس للظالم بل للمظلوم!
الذي يدافع عن أرضه وعرضه وشرف أمته إرهابي ودولة الاحتلال وجودها ضروري لقمع هذا الإرهاب! الخيانة والتخاذل والانبطاح أصبح لديهم سياسة ووجهة نظر! يدفعون مئات المليارات من الدولارات لأسيادهم عن يدٍ وهم صاغرون، وملايين الفقراء والمُهجّرين المسلمين من الجوع يتضورون أو يموتون!
حتى الذي يُسمى منهم رئيسا وهو الذي لا يستطيع أن يتحرك من مكانه إلا بإذن أسياده يستقوي على شعبه ويحرمه من أدنى مقومات العيش الإنساني ويظن هو وغيره من الظالمين أنه من بطش الله (تعالى) بعيد!
يبدو أن هؤلاء المجرمين لا يقرؤون التاريخ ولا يعرفون سنن الله (تعالى) في أمثالهم الظالمين، قال الله (تعالى): {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}. وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "إنَّ الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته" ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
عندما عاد المسلمون المهاجرون من الحبشة قال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حدّثوني بأعجب ما رأيتم، فقالوا: بينما امرأة عجوز تحمل قُلتها على رأسها وإذ بفتى يضع يده بين كتفيها ويدفعها بقوة فتسقط على الأرض وتنكسر قُلتها فنظرت إلى ذلك الفتى وقالت: "يا غُدر (غادر) غداً عندما يضع الله (تعالى) الكُرسيّ ويجمع الأولين والآخرين وتنطق الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ستعلم أمري وأمرك عنده"، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): " صَدَقَتْ صَدَقَتْ, كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِم".
فأين عادٌ وثمود وقوم لوط؟! وأين فرعون وهامان وجنودهما؟! وأين أبو لهب وأبو جهل؟! {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
وكما توعد الله (تعالى) الظالمين بالهلاك والدمار على ما ينتظرهم يوم القيامة من العذاب، فقد وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين ولو بعد حين فقال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.