قلبٌ مليء بالمتاعب، ويدان مُتشقّقتان من كثرة الأعمال المنزلية، وذاكرةٌ تعجُ بمشاكل الأبناء والمنزل، وبيتٌ بالكاد يكفي لخمسة أبناء وأمهم وأبيهم، وألواح من الأسبست الرديء لا تحمِي المنزل من أيةِ رياحٍ قادمة، وزوجٌ عاطل عن العمل منذ سنوات طويلة، وأمنياتٌ بالستر في هذا المنزل الصغير؛ إنها واحدةٌ من العائلات التي أعياها الفقر.
أجر بسيط
في مخيم البريج حيث الشوارع الضيقة والبيوت المتلاصقة، تعيش هذه العائلة منذ سنوات طويلة، لا تجد معيلا لها بعد توقف الأب عن العمل منذ سنوات، والأمُ أخذت على عاتقها العمل كي تنفق على المنزل، فهي لا تُحصّل سوى دخلٍ بسيط جداً تدفع من خلاله ثمن الطعام والشراب ورسوم الجامعة وإصلاح المنزل.
عائلة "س. ن" كغيرها من العائلات الفقيرة في غزة والتي لا تجد مصدر دخلٍ ثابت تستطيع العيش من خلاله.
تقول "س. ن" والتي تقوم بالعمل في أحد البيوت؛ مقابل الحصول على أجرٍ مادي بسيط: "لدي أربعة أبناء شباب ولا يوجد في منزلنا سوى غرفتين فقط واحدة فيهما هي الصالحة للاستخدام، غير أن المنزل ليس صالحا للسكن وهو بناء قديم جداً منذ عشرات السنوات".
ديون متراكمة
وتضيف :" قبل عام تقريباً قررت تزويج ابني الأكبر والحمد لله تمت الخطبة بمبلغ بسيط، وعندما أراد الزواج استأجر منزلا لمدة ثلاثة أشهر ولكنه بعد ذلك لم يستطع دفع إيجار المنزل ؛ حتى أن زوجته العروس بدأت تبيع من مصاغها؛ هو الآن يريد العودة لمنزل العائلة كي يعيش فيه".
وتتابع قولها:" تحملت ديونا كثيرة لأجل أن يتزوج ابني وهي متراكمة علينا الآن؛ ولا أعرف من أين سأسدد كل هذه المبالغ في منزلي؛ فلا يوجد شيء صالح للاستخدام حتى الغسالة متعطلة وتحتاج إلى مبلغ لإصلاحها؛ وأنا كل ما أحصل عليه شهرياً لا يتجاوز 400 شيكل".
وتمضي بالقول: "لدي اثنان من الأبناء عندهم إعاقة ويكملون دراستهم في الجامعة ويحتاجون إلى مصاريف خاصة ولا أستطيع تسديد الأقساط المتراكمة عليهم، ولا أعرف كيف أحل مشكلة ابني الذي يريد العودة للمنزل للعيش فيه".
مساعدة بسيطة
وتشير الأم التي بدا على ملامحها التعب إلى أنها تضطر في بعض الأحيان للاستدانة من أهل الخير كي تفي بالرسوم الجامعية لأبنائها ومن راتبها تحاول الوفاء بجزء من هذه الديون.
وتقول:" كل ما أريده الآن أن أجد من يساعدني في بناء جدار صغير في المنزل يفصل بين الغرفة التي ينام بها أبنائي وبين الصالة كي يعيش فيها ابني ويحاول عمل "بسطة صغيرة" يعيش من خلالها هو وزوجته، فهو لا يملك عملا حتى يستطيع من خلاله دفع إيجار المنزل".
تعيش هذه العائلة في ظروف صعبة للغاية في ظل عدم توفر الإمكانيات اللازمة لها سوى من مساعدة الشئون الاجتماعية التي تحصل عليها كل أربعة أشهر.
وتتابع "س. ن" حديثها عن معاناتها :" أعود بعد عملي إلى المنزل لأعاني من تساقط المياه جراء سقوط المطر؛ وغسيل الملابس على يدي ولا أعرف إلى متى سنعيش في هذه المعاناة، الحمد لله نحن أفضل من غيرنا".
كل ما تحتاجه هذه العائلة مساعدة بسيطة تستطيع من خلالها حسم حياة ابنها الذي يعيش بالإيجار، على الرغم من المعاناة التي ستعيشها بعد ذلك، فالأبناء سيضطرون للنوم في صالة المنزل، وسيصبح المكان أكثر ضيقاً من قبل لكنهم لا يستطيعون فعل شيء أمام ظروف الحياة الصعبة وليس بوسعهم سوى الدعاء لله بأن يمدهم بالأمل.