تهديدات صارمة أطلقها رئيس السلطة محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الخميس الماضي، بفرض عقوبات جديدة على قطاع غزة قد تصل إلى عدم تحمل أي مسؤولية تجاه القطاع، في خطوة إن تمت -وفق مراقبين- ستؤزّم المشهد السياسي الفلسطيني وتزيده تعقيدًا وخطورة، قد تنتهي بعزل عباس وإنهاء حكم نظامه للمشهد السياسي الفلسطيني.
ولم تقتصر تداعيات خطاب عباس بعد التهديدات التي أطلقها ضد غزة على المشهد السياسي الفلسطيني فحسب، بل يمكن أن تصل إلى الساحة المصرية لما تمثله من حالة إنكار للجهود المصرية المستمرة في ردم الفجوة بين الأشقاء، بعدما حدد فترة زمنية إجبارية لاستجابة حركة حماس لشروطه للمصالحة، بحسب محللَين سياسيَّين.
وبينا أن أي ضغوط جديدة على غزة من عباس سيكون هدفها تمرير "صفقة القرن" الأمريكية.
وكان عباس قد استجدى في خطابه إنقاذ عملية التسوية مع الاحتلال، في الوقت الذي أطلق فيه التهديدات لغزة بالقول: "الفترة القادمة ستكون آخر جولات الحوار، وسيكون لنا بعد ذلك شأن آخر".
وتابع: "لا نقبل دولة مليشيات، لن أقبل أو أستنسخ تجربة حزب الله في لبنان (...) هناك دولة واحدة بقانون واحد، وسلاح واحد"، على حد تعبيره.
إضعاف الموقف
الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يقول: إن أصول العمل السياسي تقتضي أن تظل المشكلات الداخلية في إطارها الفلسطيني، وعدم الحديث عنها أمام المجتمع الدولي؛ لأن ذلك يضعف الموقف الفلسطيني عمومًا بغض النظر عن طبيعته.
وأضاف عوكل لصحيفة "فلسطين" أن العقوبات الجديدة التي هدد بها عباس قطاع غزة مرفوضة، لأنه من غير المقبول أن يتعرض مليونا فلسطيني في القطاع لعقوبات جماعية من السلطة الفلسطينية.
ويرى أن عقوبات السلطة التي فرضتها سابقًا أو التي تنوي فرضها، ستبرر عقوبات وحصار الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن المطلوب حل المشكلات الداخلية على طاولة حوار وطني شامل، ووضع استراتيجية وطنية بطريقة تسمح بمواجهة أفضل لـ"صفقة القرن" والمخططات الأمريكية.
وخطاب عباس، وفق عوكل، سيؤزم المشهد السياسي الفلسطيني بعد تهديداته لغزة، لافتًا إلى أن استمرار الانقسام الداخلي وفرض العقوبات سيساعد على تمرير "صفقة القرن"؛ لأن الوقت ليس في صالح الفلسطينيين وخياراتهم الضيقة في مواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية المستعجلة.
وحول إن كان عباس بتحديد مهلة للمصالحة في غضون أيام ينكر الجهود المصرية، رأى عوكل أن أي توتر في العلاقة مع مصر سيكون له أضرار كبيرة على القضية الفلسطينية، وأن القاهرة قد تترك ملف المصالحة إن لم تصل لنتيجة.
تحريض مباشر
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، يقول إن خطاب عباس كان بائسًا، ويهدف إلى تحريض العالم على قطاع غزة، بما لم يحرض به على الاحتلال، و"هذه طبيعة عباس فيما يتعلق بغزة".
ولا يستبعد الصواف خلال حديثه لـ"فلسطين"، أن يكون هناك خلافات شديدة بين عباس والقاهرة، في ظل إصراره على شروطه لتحقيق المصالحة وتهديداته بفرض عقوبات، وأنها ربما كانت جزءًا من المشادات التي جرت بين وفد فتح والمخابرات المصرية خلال زيارته الأخيرة للقاهرة.
ويعتقد الصواف أن فرض عباس لأي عقوبات جديدة على غزة، سينهي المشهد والنظام السياسي الفلسطيني الذي يتحكم به عباس، مبينًا أن الأمور غاية في التعقيد والخطورة وربما يتم اتخاذ إجراءات تؤدي لعزل عباس.
ولفت إلى أن البدائل عن هذا النظام مسألة غير مهمة كثيرًا؛ لأن غزة اتخذت مسيرة العودة وكسر الحصار بديلًا للنظام السياسي ونظام الاستجداء، واستخدمتها لكسر الحصار، وهذا البديل الذي يمكن أن يُطرح في مواجهة الاحتلال.
وقال الصواف: "لقد استمعنا لحجم الاستجداء للتسوية ورغبته بالعودة للمفاوضات سرًّا وعلنًا، ومغازلته الواضحة لأمريكا، وربط غزة بالإرهاب، وأنه سيتحالف مع أي دولة في العالم لمحاربة الإرهاب".
وأضاف: "عباس أراد بذلك الدفع باتجاه تنفيذ صفقة القرن القاضية وعزل القطاع عن الأراضي الفلسطينية، وهذا يضع الشعب والقوى والفصائل أمام اختبار حقيقي نتيجة التهديدات، ولا بد أن يكون هناك موقف حاشد يحدد العلاقة مع عباس".
ويرى أن وفد حماس خرج للقاهرة بعد خطاب عباس لتؤكد ضرورة رفع الحصار عن غزة، وإذا لم يتحقق ذلك سيكون القطاع أمام الانفجار.
وكانت السلطة قد فرضت عقوبات على غزة مطلع أبريل/ نيسان 2017 أثرت على مناحي الحياة وأوصلت القطاع، وفق مراقبين، لحالة من الانهيار والموت السريري، وكانت أحد الأسباب التي دفعت المواطنين للتوجه نحو السياج الفاصل مع الاحتلال، فيما بات يعرف بمسيرة العودة.