فلسطين أون لاين

​عن فشل الإدارة الأمريكية باستهداف الأونروا

يُعدّ وصول العجز المالي لوكالة "الأونروا" حتى تاريخ 27/9/2018 إلى 64 مليون دولار بعد أن وصل في بداية العام 2018 إلى 446 مليون دولار، ضربة قاصمة لخطة ترامب نتنياهو لاستهداف "الأونروا" ولدورها الإنساني والسياسي، وفشل ذريع لفرض السياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة وفق ما يسمى بصفقة القرن.

وبلغة المصالح تكون كفّة رؤية الاتحاد الأوروبي والدول المانحة للأونروا والغالبية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعتبر أن وجود وكالة "الأونروا" حاجة إنسانية ضرورية لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات "الأونروا" يقيمون في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا والأردن ولبنان، وبأن الوكالة عنصر أمن واستقرار في المنطقة، ويشارك في هذه الرؤية الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، قد رجحت على كفّة الرؤية الأمريكية الإسرائيلية الأُحادية التي تعدّ الوكالة داعمًا للإرهاب وعنصر معطّل لما يسمى بعملية السلام في المنطقة.

نجحت إدارة "الأونروا" ومعها الكثير من المؤسسات الأهلية الفاعلة والقوى السياسية الفلسطينية والأصدقاء والمتضامنين في رفع مستوى الوعي والتعريف بالوكالة وأهمية استمراريتها بتقديم الخدمات الإنسانية عدا عن الحراك الشعبي في المخيمات والتجمعات الذي أسهم في تكوين صورة شاملة واضحة ومؤثرة وضاغطة على صانع القرار بأن تقليص خدمات "الأونروا" أو إنهاء عملها عدا عن أنه سيهدد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، فإنه سيفاقم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للاجئين وسينعكس سلبًا على المستوى الأمني داخل المخيمات وعلى الجوار.

بدأت خطة استهداف "الأونروا" مع وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وبشكل متدحرج وصولًا إلى مطلع عام 2018 مع دفع مبلغ 65 مليون دولار في ميزانية الوكالة من أصل 125 مليون دولار كان يجب دفعها كجزء من المبلغ الإجمالي الذي تدفعه أمريكا في ميزانية "الأونروا" السنوية وقيمته حوالي 350 مليون دولار، مما يشكل ما نسبته حوالي 40% من الميزانية العامة، وصولًا إلى قرار الإدارة الأمريكية القاطع بتاريخ 1/9/2018 بوقف مساهماتها المالية كليًا بحجة أن مدارس "الأونروا" ومراكزها الصحية وبرامج المساعدات الطارئ تشوبها عيوب لا يمكن إصلاحها حسب زعمها.

منذ وصول ترامب إلى الرئاسة، لم تدّخر الإدارة الأمريكية وقتًا وجهدًا في محاولاتها لاستهداف "الأونروا" والضغط على الدول المانحة لثنيها عن المساهمة المالية في صندوق الوكالة، ومحاولة إقناع تلك الدول بأن "الأونروا" قد أصبحت عبئًا على عملية السلام، وعليه أصبحت العقبة الكأداء ويجب التخلص منها.

ومن المحطات البارزة للاستهداف الأمريكي لـ"الأونروا" في سنة 2018، أولًا، ما كشفته صحيفة فورن بوليسي الأمريكية بتاريخ 11/8/2018 عن رسالة بالبريد الإلكتروني موجهة من صهر ومستشار الرئيس الأمريكي كوشنير بتاريخ 11/1/2018 إلى عدد من الرسميين في الكونغرس الأمريكي بمن فيهم مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلات يتحدث فيها كوشنير بأنه من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل "الأونروا"، وبأن "الوكالة تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على السلام"، وبأن مبادرة كوشنير -كما جاء في الصحيفة- تأتي "في إطار حملة أوسع نطاقًا من جانب إدارة ترامب وحلفائها في الكونغرس لتجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة وإخراج قضيتهم من المفاوضات بين (إسرائيل) والفلسطينيين، وفقا لمسؤولين أمريكيين وفلسطينيين".

ثانيًا: بعد أن رجعت نائب وزير خارجية الاحتلال تسيبي حوتوبيلي من زيارتها إلى واشنطن ولقائها بالسيناتور الأمريكي تيد كروز المسؤول عن ملف "الأونروا"، التقت بسفراء دولة الاحتلال في دول الاتحاد الأوروبي وفي أمريكا ومناطق الشرق الأوسط مطلع العام 2018 وأطلعتهم بأن دبلوماسية الاحتلال للعام 2018 ترتكز على مسألتين؛ الأولى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والثانية بأن عهد "الأونروا" قد انتهى إلى الأبد.

ثالثًا: استطاعت دبلوماسية الاحتلال أن تؤثر على دول مانحة في مؤتمر روما لسد العجز المالي للوكالة الذي انعقد في 15/3/2018 وحضره مندوبون من حوالي 90 دولة حول العالم، وتم جمع 100 مليون دولار فقط من أصل 446 مليون دولار، وللمزيد من الضغط على دول مانحة حضر المؤتمر شخصيًا نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد سترفيلد.

رابعًا: استطاعت الإدارة الأمريكية التأثير على موقف وزير خارجية سويسرا الذي اعتبر في 17/5/2018
-متبنيًا موقف ترامب نتنياهو- بأن "الأونروا" عقبة أمام مشروع التسوية وبأن وجودها يُغني الصراع في المنطقة.

خامسًا: لعبت الإدارة الأمريكية دورًا كبيرًا في أثناء انعقاد لقاء اللجنة الاستشارية للأونروا في عمّان يومي 18 و19/6/2018 بالضغط على دول مانحة، فأمريكا هي إحدى الدول الأعضاء في اللجنة الاستشارية للوكالة.

سادسًا: قام وفد أمريكي ضم كل من كوشنير وجرينبلات بزيارة إلى المنطقة بتاريخ 22/6/2018 التقى فيها بمسؤولين في الكيان الإسرائيلي والأردن ومصر والسعودية والإمارات تم فيها طرح تقديم المساعدات مباشرة للدول المضيفة للاجئين بعيدًا عن "الأونروا" إلى جانب ترتيب صفقة مالية لقطاع غزة بقيمة مليار دولار لإقامة مشاريع وأيضًا بمعزل عن "الأونروا" وتحت ما يسمى حل الأزمة الإنسانية.

سابعًا: على الرغم من الدعم المعنوي والسياسي للأونروا لكن لم ينجح مؤتمر نيويورك للمانحين الذي عقد في الأمم المتحدة بتاريخ 25/6/2018 في سد العجز المالي للوكالة، نتيجة الضغط الأمريكي والإسرائيلي على الدول المانحة، وفي نهاية المؤتمر قال أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش بأن "تدابير استثنائية ستتخذها الأونروا لخفض نفقاتها بنحو 92 مليون دولار".

ثامنًا: بعد صدور بيان وزارة الخارجية الأمريكية والاتهامات بحق الوكالة بتاريخ 1/9/2018 وانضمام مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وسفير أمريكا في دولة الاحتلال فريدمان لاستهداف "الأونروا" وفي رسالة تاريخية مفتوحة من المفوض العام للوكالة بيير كرينبول إلى اللاجئين الفلسطينيين ولموظفي "الأونروا" أعرب فيها عن عميق الأسف وخيبة الأمل من القرار الأمريكي والرفض وبلا تحفظ للنص المصاحب للقرار وبأن مسؤولية إدامة اللجوء الفلسطيني لا تتحمل مسؤوليته "الأونروا" وإنما تقع على عاتق غياب الإرادة أو عدم القدرة المطلقة للمجتمع الدولي وللأطراف على التوصل إلى حل تفاوضي وسلمي للنزاع بين (إسرائيل) وفلسطين وتأكيدًا على أن ابن وحفيد اللاجئ الفلسطيني يحمل صفة لاجئ، كما هو حال اللاجئين في أماكن مثل أفغانستان والسودان والصومال والكونغو، وهم تحت وصاية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبأن حاجة تقديم العمل الإنساني للاجئين الفلسطينيين سببها التشريد القسري ونزع الملكية وفقدان البيوت وسبل المعيشة، علاوة على انعدام الدولة ووجود الاحتلال، وبأن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تبقى أن لدى اللاجئين حقوق بموجب أحكام القانون الدولي وأنهم يمثلون مجتمعًا قوامه 5,4 ملايين رجل وامرأة وطفل لا يمكن ببساطة القيام بإلغاء وجودهم، واعتبر أن القرار الأمريكي غير متسق مع اتفاقية التعاون الموقعة في كانون الأول/ديسمبر 2017 بين الولايات المتحدة وبين "الأونروا" والتي اعترفت الولايات المتحدة فيها بمتانة ومصداقية إدارة "الأونروا" وبمواردها وبالكيفية التي نقوم بها بالاستجابة لتحدياتنا التشغيلية والأمنية والمالية المتعددة.

وفي مقابلة إعلامية بتاريخ 12/9/2018، أكد المفوض العام لـ"الأونروا" كرينبول أن الوكالة مستمرة في عملها بسبب عدم التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين وبأن القرار الأمريكي بقطع المساهمات المالية لا علاقة له بأداء "الأونروا" وبأن هناك تمييز دولي عند الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين مقارنة بالحديث عن اللاجئين في العالم.

جاء مؤتمر دعم "الأونروا" على هامش أعمال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27/9/2018 برعاية كل من الأردن والسويد وألمانيا وتركيا واليابان والاتحاد الأوروبي و"الأونروا" وحضور وزراء ومسؤولون رفيعو المستوى من 34 دولة عضو ومنظمة وافتتحه غوتيريش، ليضع النقاط على الحروف بتبرع سخي للوكالة من كل من الكويت والاتحاد الأوروبي وألمانيا والنرويج وفرنسا وبلجيكا وإيرلندا بمبلغ 122 مليون دولار لينخفض العجز المالي إلى 64 مليون دولار لعام 2018 وليوفر دعمًا معنويًا وسياسيًا إضافيًا للوكالة من جهة، ويوجه صفعة سياسية للإدارة الأمريكية وخطتها الظالمة من جهة أخرى. طبعًا الأزمة المالية للوكالة لم تنتهِ بعد فلا يزال بالإضافة إلى العجز الحالي، ضرورة توفير ميزانية عام 2019، وهذا ما يضع المزيد من المسؤولية والتحديات في المستقبل.

السؤال الآن، هل سترضى الإدارة الأمريكية بأن تُكسر شوكتها، وأن تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها قد خسرت واحدة من أهم أهدافها الإستراتيجية في المنطقة؟ وكيف ستتصرف إزاء هذا المنعطف التاريخي في سياستها الخارجية؟ هذا ما يجب متابعته ومن كثب.