قبل نكسة حزيران 1967م كان يطمع الاحتلال بالاستيلاء على ما تبقى من مدينة القدس المحتلة، بعد أقل من عقدين على احتلال الجزء الأكبر منها عام 1948م، وما بين النكبة والنكسة وما بعدهما ظلت القدس فريسةً للاحتلال يقضم منها ما شاء دون رادع.
وبعد 1967م بدأت خطوات الاحتلال المتسارعة لتهويد المدينة في كل الاتجاهات، بالاستيلاء على الأراضي والعقارات، وإقامة البؤر الاستيطانية والمستوطنات، وحفر الأنفاق.
ووصلت القدس إلى أسوأ حالاتها بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بها عاصمة للاحتلال في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، حيث اقتحامات المستوطنين وجنود الاحتلال اليومية للمسجد الأقصى، واعتقال المرابطين والمرابطات فيه وإبعاد حراسه، عدا عما تعانيه أحياء القدس من إغلاقات وانتشار الحواجز، والحفريات المستمرة تحت البلدة القديمة مركز المدينة.
وقال المختص في شؤون الاستيطان خالد منصور: إن الحفريات تحت المسجد الأقصى والمناطق المحيطة به، والاعتداءات اليومية والاقتحامات وإغلاق المدن في مختلف مناطق المدينة، إنما هي مخطط إسرائيلي قديم، يهدف للإضرار بالأقصى، وتهويد المنطقة كاملًا حول الأقصى.
وأكد منصور لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال ماضٍ في سياساته لابتلاع الأراضي الفلسطينية وتهويدها بالكامل، مستخدمًا القوة وحكم الأمر الواقع دون رادع أو معيق.
وتابع أن الاحتلال يزيد في وتيرة مشروعه الاستيطاني في القدس وباقي مناطق الضفة الغربية المحتلة، مستمدًّا الدعم من الإدارة الأمريكية، مضيفًا أنه يريد إيصال الفلسطينيين لمرحلة اليأس من إمكانية إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة.
وأوضح أن الاستيطان لم يتوقف لحظة واحدة منذ عام 1967م، إنما تسارعت وتيرته بين الحين والآخر، حتى في ظل تعاقب حكومات الاحتلال منذ سنوات، مؤكدًا أن ذلك يأتي في سياق مخطط إسرائيلي متفق عليه.
وربط بين ارتفاع نسبة الاستيطان منذ بداية العام وقرار ترامب، الأمر الذي شرع الأبواب أمام الاحتلال، وجعله يتصرف بقوة، إذ إنه يستند إلى قوة دولية هي الولايات المتحدة الأمريكية.
مواجهة الاستيطان
ورأى منصور أنه لا يمكن وقف المشروع الاستيطاني وإنهائه إلا بالمقاومة، مشيرًا إلى عدم جدوى تسول التعاطف العالمي، ولا المفاوضات الثنائية، ولا حتى الرهان على أمريكا التي أثبتت وقوفها في صف الاحتلال.
وشدد على ضرورة التمسك بالحقوق الفلسطينية، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وجود السلطة الفلسطينية عام 1993م، أي شعب تحت احتلال، يقاوم الاحتلال، ويسعى لتحرر وطني بالوسائل المشروعة.
من جانبه، أوضح مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية بمؤسسة بيت الشرق في القدس المحتلة، خليل التفكجي، أن أي مشروع استيطاني يجب أن يمر في عدة مراحل، الأولى الإعلان عن المخطط، ثم المصادقة عليه، ثم بدء سريانه، وفي النهاية المناقصة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد يستغرق سنوات، مشيرًا إلى أن المشاريع الاستيطانية الحالية هي ضمن برنامج تم وضعه عام 1994 حين كان أيهود أولمرت رئيس بلدية الاحتلال في القدس.
وأضاف التفكجي لصحيفة "فلسطين"، أن لدى الاحتلال "برنامج القدس عام 2020" يتحدث عن بناء 58 ألف وحدة سكنية استيطانية، وبناء مستوطنات جديدة، وتوسيع مستوطنات قديمة، إضافة إلى وضع برنامج جديد للقدس عام 2050، يتحدث عن إقامة مطارات، وتشييد بنى تحتية، ومستوطنات، ومناطق صناعية وغير ذلك.
وأكد أن الضغوطات الخارجية التي قد تمارسها الولايات المتحدة في بعض الأحيان على الاحتلال هي التي تؤثر في التوسع الاستيطاني من عدمه.
وأشار إلى أن الاحتلال يحاول من خلال الحفريات في البلدة القديمة وحول المسجد الأقصى إيجاد تاريخ مزيف له، وصنع رواية يهودية، موضحًا أن الأنفاق هي بالأساس مجاري مائية سابقة، يستعملها اليوم في روايته المزيفة أن له وجودًا تحت الأرض.