قائمة الموقع

سند.. جسد صغير يحمل وجع حربٍ كاملة

2025-12-08T09:51:00+02:00
ظروف صعبة داخل مستشفيات غزة وسط شح شديد في المستلزمات الطبية لإنقاذ حياة الجرحى
فلسطين أون لاين

لم يكن الطفل سند محمد العربي، ابن العام وثلاثة أشهر، يعلم أنه سيولد في زمن تتكسر فيه الطفولة على أعتاب الحرب، ولا أن جسده الصغير سيغدو شاهدًا حيًا على جريمة ارتُكبت بحق أطفال غزة، الذين لم يرتكبوا ذنبًا سوى أنهم أرادوا الحياة.

في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحديدًا من مدينة غزة، اضطر محمد العربي برفقة طفله وأفراد من عائلته للنزوح هربًا من نيران القصف التي لا تميز بين بيت وملجأ، متجهين إلى منطقة النصيرات في "المخيم الجديد"، حيث لجؤوا إلى قطعة أرض بسيطة تملكها العائلة، عليها بيت صغير سقفه من ألواح الزينكو.

يروي والد الطفل، محمد العربي، لـ "فلسطين أون لاين" تفاصيل تلك الليلة القاسية قائلًا:"بعد تنقلنا عدة مرات بين النزوح والعودة، جاءت اللحظة التي لن تمحى من ذاكرتي. في يوم 14/4/2024 كنا تحت نار كثيفة من القذائف وطلقات طائرات (الكواد كابتر)، ثم قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المنزل المجاور لنا العائد لعمي، فتناثرت ألواح الزينكو فوق رؤوسنا، وانهار الركام على أجسادنا".

ويتابع بصوت يختنق بالألم: "كانت مجزرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، خاصة أن أغلب الضحايا من أقاربنا. كان في البيت 17 شخصًا، لم ينجُ منهم سوى أربعة، من بينهم رضيعي سند. رأيته أمامي وقد بُترت أصابع يده، وجُرح لسانه، وتهشمت يده الأخرى ووجهه الصغير".

ويضيف العربي أن طواقم الإسعاف والدفاع المدني لم تتمكن من انتشالهم سريعًا، إذ ظلوا مدفونين تحت الأنقاض وهم يصرخون: "نحن هنا… ما زلنا أحياء"، حتى أُخرجوا بعد ساعة ونصف من البحث المتواصل.

ويستكمل حديثه: "أُصبت في رأسي بجراح استدعت خياطة 18 غرزة، لكن إصابة سند كانت الأخطر. لم نكن نعتقد أنه سيبقى على قيد الحياة، لكن الله كتب له عمرًا جديدًا".

ويكمل بصوت مهزوز: "رأيت صغيري ينزف، وجهه غارق بالدم، لا يبكي… فقط ينظر إليّ، كأن قلبه يصرخ. بُترت أصابع يده اليسرى، وتهشّمت اليمنى، وقُطع جزء من لسانه، وتشوه وجهه الصغير… شعرت حينها أن الحياة توقفت".

نُقل سند إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكن حجم الضرر كان أكبر من الإمكانيات المتاحة. يقول والده: "منذ لحظة إصابته وهو يتنقل بين الغرف والأطباء، بحثًا عن أمل".

وبسبب خطورة حالته، جرى تحويله إلى دولة قطر لاستكمال العلاج، حيث خضع لـ17 عملية جراحية، لكن معركته مع الألم لم تنتهِ بعد. وأخبر الأطباء العائلة بضرورة الانتظار حتى يبلغ سن أربع سنوات على الأقل لإجراء عمليات زراعة أصابع، لعلّه يتمكن يومًا من الإمساك بملعقته بيده، أو أن يلمس وجه أمه كما يفعل الأطفال.

ورغم أن عمر سند اليوم يبلغ عامين ونصف، وقد بدأ ينطق كلمات مثل "بابا" و"ماما" و"تاتا"، إلا أنه لا يستطيع تناول الطعام كغيره من الأطفال، فلا يتناول سوى السوائل والأطعمة المطحونة، تجنبًا للألم. وحتى اليوم، لم يتمكن من الإمساك بلعبة واحدة بيديه.

ويختم والده حديثه قائلًا: "وجع سند ليس في جراحه فقط، بل في السنوات التي قضاها بين المستشفيات، في نظراته التي تبحث عن إجابة، في خوف أمه من كل ليلة، وفي بكائه الذي لا يعرف سببَه… هذا طفل سرقت الحرب طفولته، قبل أن يبدأ الحياة".

اخبار ذات صلة