لم تكن عملية هدم قرية أم الحيران داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 يوم الأربعاء الماضي الأولى, فلم تكن القرية الفلسطينية الأولى التي يتم هدمها وطرد سكانها، فقد سبقها قبل أيام قليلة عمليات هدم في بلدة قلنسوة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية خارج الخط الأخطر منذ عام 1948م والحبل على الجرار.
فالاحتلال يدعي كعادته أن عمليات الهدم هذه هي تنفيذ لقرارات المحكمة العليا الإسرائيلية ولكن القرارات هذه لم تنفذ ضد مستوطني "عمونا" بالضفة ولم تنفذ لإعادة أبناء إقرت وكفر برعم المهجرين حتى اليوم ومنذ عشرات السنين, ما يدل على العنصرية حتى بالقضاء الذي يتماشى مع سياسة الاحتلال الذي أصبح قضاء احتلاليًا بامتياز.
لقد هدموا قرية أم الحيران لأنهم يريدون تهجير أهلها وعددهم نحو ألف مواطن، لأنهم باختصار شديد ووضوح تام يريدون إقامة مستوطنة لليهود مكانها باسم "حيران" وهم لا يخفون ذلك, ما يعني دون شك أن النكبة وسياسة التهجير ومحاولة الاقتلاع ما تزال مستمرة ولم تتوقف أبدًا، ولكنهم لا يدركون عمق تمسكنا بأرضنا وحقوقنا رغم كل الممارسات والضغوط وأننا اليوم ومنذ النكبة ما نزال صامدين فوق أرضنا ونتزايد ونقف بقوة في وجه كل التحديات وسنظل كذلك فنحن هنا منذ فجر التاريخ والتاريخ معنا ولنا.
سكان قرية أم الحيران في النقب وهم من عشيرة واحدة، تم تهجيرهم أكثر من مرة من أماكن سكنهم وأرضهم في خمسينيات القرن الماضي، إلى أن استقر بهم الوضع في هذه القرية الصغيرة التي لا تصلها الكهرباء ولا الماء وتفتقد لأبسط الخدمات المعيشية.
لقد صدق الذين شخصوا دوافع دولة الاحتلال بطرد أهل القرية وإحلال مستوطنة يهودية مكانهم، فوراء هذا الإمعان يتجسد فكر الحركة الصهيونية التي خططت للاستيلاء على الأرض وتهجير أو تشتيت أصحابها. وقد يصدق تكهن آخرين بأن ما يحدث من صدامات في أم الحيران قد يصبح مقدمة لفورة غضب تمتد إلى ما هو أبعد من النقب، بسبب الحملة الاستيطانية المسعورة التي يشنها الآن نتنياهو في الأراضي الفلسطينية، تؤكد على نفاد ذخيرته كما تدل على حالة الفراغ السياسي الذي حوّله إلى حالة أشبه بالعاطل عن العمل، وأصبحت حكومته بل دولته تعاني من العزلة الدولية ولم يجد لها مكانًا تحت الشمس على عكس وصفه في كتابه، وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي أوباما "أن نتنياهو يقود دولته إلى العزلة الدولية"، بسبب تمرده على المجتمع الدولي وعدم اعترافه بقرارات الأمم المتحدة بشأن سياسة الاستيطان، وازديادًا في العنجهية والكبرياء والعربدة لم يستجب لكل الاحتجاجات الدولية.
مع هذا فأنا أرى أن دور النخب والقيادات يجب أن يتعدى مهمة تشخيص المخاطر وتأكيد نوايا (إسرائيل) العدوانية تجاه مواطنيها العرب. فالقضية الأهم ستبقى منوطة بإعطاء الحلول لهذه الجماهير المستهدفة ووضع برامج نضال ناجحة في إفشال مخططات حكومة الاحتلال الحالية والإجابة عن السؤال: كيف من الممكن أن تمنع قيادات هذه الجماهير سوء المصير الذي ينتظر أم الحيران وغيرها؟ كما حدث من قبل لقرية باب الشمس وقرية أم السحالي وقرية عرب المفجر وقرية عرب السواحرة وقرية باب الكرامة والأغوار وغيرها؟