قبل 18 عامًا انطلقت انتفاضة الأقصى, وهي الانتفاضة الثانية الشعبية، وتطورت لاحقاً إلى مسلحة في مقاومة الاحتلال، وبالأمس أحياها الفلسطينيون بطريقتهم، وهي تجديد التمسك بالمقاومة، وهذه المرة من خلال مسيرات العودة التي يمكن القول: إنها الأكثر إبداعًا في مقاومة الاحتلال، ولا تقل عن انتفاضة الحجارة، حيث فتح الفلسطينيون حسابًا جديدًا مع الاحتلال لتذكيره وتذكير العالم بأن قضيتهم حية وحاضرة وليس لديه مشكلة في إطلاق انتفاضة ثالثة ورابعة، وأن المراهنة على الاستسلام أو الخضوع لا سبيل لها أمامهم.
أمس الجمعة كانت تأكيدًا على السير على الطريق بتقديم 8 شهداء، وسبقهم 186 شهيدًا, و20590، منذ مارس الماضي, وانطلاق مسيرات العودة، ولعل أمس من أكثر الأيام دمويّة, حيث استهدف الاحتلال المتظاهرين بالقنص والقتل العمد والمباشر، وهي بذات الوقت الأكثر حضورًا، وهو ما أشار إليه الاحتلال أيضًا.
نحن أمام جمهور فلسطيني ينبض بالحياة والمقاومة، ولا يخشى كل المراهنات على استسلامه، وتمسكه بالمقاومة في مواجهة مشروع التسوية الذي تبناه وقدمه رئيس السلطة محمود عباس في الأمم المتحدة، ولعل الجماهير التي خرجت أمس كانت تردّ على خطاب الاستكانة والضعف الذي عكسه عباس، وأن المنبر الذي تحدث منه لا يساوي قطرة دم يقدمها فلسطيني على حدود غزة، ضمن مشروع المقاومة.
السؤال اليوم بعد جمعة انتفاضة الأقصى، وفي حضرة الشهداء، وبعد خطاب الاستكانة في الأمم المتحدة وتهديده لغزة، وجرأة الاحتلال ضد المتظاهرين وعلى حدود غزة، هل نحن بحاجة لبرنامج وطني جديد يُبنى على ما تم إنجازه في مسيرات العودة؟ والجمهور الفلسطيني قدم الكثير وجاهز أن يقدم أكثر من ذلك، لكن الأهم كيف يمكن ترجمة ذلك إلى مشروع وطني متكامل يتعلق بالتعامل مع قطاع غزة، ويقطع الطريق على تنفيذ عباس تهديداته ضد غزة، وتدفيع الاحتلال ثمن جرائمه وعدم التزامه بالاتفاقيات المرتبطة بوقف النار عام 2014؟
كل ذلك يدعونا إلى أن نقول ماذا بعد؟ والإجابة عن ذلك عند الفصائل الفلسطينية في المرحلة الحاسمة والمهمة، لقيادة الجمهور نحو تحقيق أهداف مسيرات العودة، وتحصينهم في مواجهة التطورات المرتبطة بالمرحلة القادمة والتي يبدو منها أن الاحتلال وعباس يجهّزان أمرًا ما، والوسطاء يتهرّبون من المسؤولية، على الرغم من ارتقاء العدد الكبير من الشهداء وتغوّل الاحتلال، وتسلط عباس على غزة.