استجدى رئيس السلطة محمود عباس ما أسماه "إنقاذ عملية السلام"، من على منصة الأمم المتحدة، شاكيا في الوقت نفسه ظلم (إسرائيل) وأمريكا، بينما أطلق التهديد والوعيد لقطاع غزة المحاصَر الذي يفرض عليه إجراءات عقابية منذ مارس/ آذار 2017 قائلا: "لن ولن ولن نتحمل أي مسؤولية من الآن فصاعدا".
وتباهى عباس، بأنه لم يرفض المفاوضات مع الاحتلال، مقرا بذلك بقوله: "أتحدى إن كان طلب منا مرة واحدة أن نجلس على طاولة المفاوضات ورفضنا بل العكس تماما"، لكنه في المقابل توعد بشأن مساعي المصالحة الفلسطينية بأن الفترة القادمة ستكون آخر جولات الحوار بشأنها "وسيكون لنا بعد ذلك شأن آخر".
وأسقط عباس حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال مستثنيا من ذلك ما وصفه بالمقاومة الشعبية السلمية، بقوله: "لن نستعمل أسلوبا آخر"، رغم إقراره بأن المستوطنين يواجهون الشعب الفلسطيني بالسلاح ويقتحمون مدنه وقراه في الضفة الغربية، عدا عن جرائم جيش الاحتلال وشرطته.
وبعد ربع قرن من فشل اتفاق أوسلو الموقع سنة 1993 والذي تضاعف الاستيطان معه لأكثر من سبع مرات، بحسب مراقبين، تعهد عباس بالتمسك بما أسماه "السلام" طريقا للوصول إلى دولة فلسطين.
وألمح عباس لموقفه المعهود برفض المقاومة المسلحة، قائلا: "منظمة التحرير ملتزمة بتحقيق السلام ومحاربة (ما أسماه) الإرهاب".
وسبق لعباس أن صرح بهذا الموقف بقوله: "أنا ضد المقاومة.. أنا علنا بحكي، أنا ضد المقاومة علنا".
وأقر عباس بالفشل في تطبيق قرارات الأمم المتحدة، إذ قال: إن الأمم المتحدة أصدرت 705 قرارات، مضيفا: "قرار نفرح به ونصفق به ثم لا ينفذ".
كما اعترف بأن (إسرائيل) تسعى إلى تدمير وحدة الضفة الغربية عبر إزالة تجمع الخان الأحمر شرقي القدس، وأن المحكمة العليا للاحتلال ستصدر قرارا بتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، لكنه لم يتخذ إجراءات ملموسة في مواجهة ذلك.
ولطالما قال الثمانيني عباس:"نحن نشتغل عند الاحتلال"، "أنا عايش تحت البساطير الإسرائيلية"، "التنسيق الأمني مقدس".
ويواصل عباس التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، ولم ينفذ حتى قرار المجلس المركزي في مارس/ آذار 2015، "وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين".
ويأتي ذلك في ظل قرار ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقطع المساهمة المالية الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بهدف إنهاء وجودها وتصفية قضية هؤلاء اللاجئين.
في المقابل، جدد عباس تهديد قطاع غزة، مطالبا بما أسماه "سلاح شرعي واحد"، وقال: "لا نقبل دولة مليشيات"، على حد وصفه.
وسبق لعباس أن قال خلال لقاء تلفزيوني في أكتوبر/ تشرين الأول 2017: "هناك دولة واحدة بقانون واحد بسلاح واحد"، مضيفا: "كل شيء يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، وأكون واضحا أكثر لن أقبل أو أستنسخ تجربة حزب الله في لبنان"؛ على حد تعبيره.
بينما قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في لقاء متلفز، خلال الشهر نفسه: "سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية هذا بالتأكيد سلاح واحد، وهناك سلاح المقاومة طالما أن هناك احتلالا صهيونيا على الأرض الفلسطينية فمن حق شعبنا أن يمتلك سلاحه وأن يقاوم هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة".
ورد عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على تفاهمات بيروت في يناير/ كانون الثاني 2017 حول المجلس الوطني، بعقده منفرداً في رام الله بالضفة الغربية المحتلة نهاية أبريل/ نيسان الماضي، بينما قابل اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بأكتوبر/ تشرين الأول 2017، باستمرار فرض الإجراءات العقابية على قطاع غزة.
وتشمل الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على قطاع غزة، المحاصر منذ 12 سنة، الخصم من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، وتأخير صرفها، كما مست مجالات حيوية كالصحة والكهرباء والوقود، وغيرها.
وتسلّمت هيئة المعابر والحدود في السلطة رسميا مسؤولية معابر القطاع، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 حسب الجدول الزمني الذي حدده اتفاق المصالحة الموقع في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بيد أن رئيس الحكومة رامي الحمد الله ربط عمل هذه المعابر بالملف الأمني، في خطوة أثارت جدلا حول نوايا السلطة ورأى فيها المراقبون توجها نحو "الإحلال والوصاية" بدلا من الشراكة.
وترفض السلطة صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية في قطاع غزة، ولم تلتزم ببند نص عليه الاتفاق الأخير في القاهرة، وهو استمرار استلام الموظفين في غزة رواتبهم التي كانت تُدفع لهم، اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إضافة إلى سرعة إنجاز اللجنة القانونية الإدارية المشكلة من الحكومة لإيجاد حل لموضوعهم قبل الأول من فبراير/شباط الماضي.