دولة تحت الاحتلال، هذا أقصى ما يهدد به محمود عباس (إسرائيل) وأميركا، فماذا يعني عمليا الإعلان عن دولة فلسطينية تحت الاحتلال؟ وما هي المصالح الوطنية التي يمكن أن تتحقق بهذا الإعلان؟ أم أن الأمر لا يتجاوز (البروبجندا) الإعلامية، لرجل فقد خياراته بعد انهيار حل الدولتين، وشطب القدس واللاجئين من المفاوضات، بتوافق أميركي إسرائيلي؟!
في عام 1988م أعلنت فتح ومنظمة التحرير قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس؟!! وفي كل عام كانت فتح والمنظمة تحتفلان بقيام الدولة التي لم تقم إلا على ورق منظمة التحرير وفتح فقط؟! الدول المؤثرة في العلاقات الدولية لم تعترف بقيام الدولة الفلسطينية، لأن شروط الدولة غير متوفرة، وبعض الدول الضعيفة التي لا تملك تأثيرا في العلاقات الدولية جاملت العرب واعترفت بدولة فلسطين.
منظمة التحرير نفسها يئست لاحقا من هذا الإعلان، الذي كان هدفه التمهيد لأوسلو، فقررت القبول بسلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، وبهذا القبول أفرغت المنظمة قرار عام 1988م من مضمونه، وبعد خمس وعشرين سنة عجافا من سلطة الحكم الذاتي الفاشل وطنيا، يتجه عباس للإعلان عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، دولة تحت الاحتلال على حدود 1967م، وهو إعلان لن تعترف به (إسرائيل) والدول المؤثرة في العلاقات الدولية، وفي الوقت نفسه لن يحقق الإعلان المصالح الفلسطينية، ولن يحاصر (إسرائيل)، ويمنع تغولها على القدس والحدود واللاجئين؟! .
إن دولة تحت الاحتلال لا تختلف كثيرا عن سلطة تحت الاحتلال، ودول العالم لا تمارس السذاجة السياسية، والتيه السياسي، الذي يغرق فيهما محمود عباس؟! ممكن لعباس أن يضلل فتح والشعب الفلسطيني بمزاعمه حول النضال السياسي، وآخرها دولة تحت الاحتلال، ولكنه لا يستطيع كسب تأييد دول العام، أو إخضاع القانون الدولي لضعفه واستجداءاته؟!
إن ما يوجع (إسرائيل) ويقلقها هو وقف التعاون الأمني، ووقف خدمات أجهزة أمن السلطة لحماية أمن (إسرائيل) مقابل (76) مليون دولار تدفعها أميركا سنوية للأجهزة؟! وإطلاق يد المقاومة الشعبية والعسكرية في الضفة الغربية، والمصالحة مع غزة، وإحياء المبادئ التي انطلقت من أجلها فتح ومنظمة التحرير؟! إنه لمن التيه السياسي، والسخافة السياسية، الإعلان عن دولة تحت الاحتلال وحماية (إسرائيل) أمنيا، ومنع الفلسطينيين من حق المقاومة، والتنازل عن صفد، وعن حق العودة، واستعطاف نتنياهو للعودة إلى المفاوضات؟! التيه السياسي، والفشل المتكرر في المقاربات السياسية، منذ أوسلو وحتى تاريخه، هما نكبة ثانية.