ثلاثون عامًا مضت على انطلاقة حركة حماس، وخمس وعشرون سنة مضت على توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993م. هاتان المدتان كافيتان لكل طرف منهما لإحداث مراجعة علمية وموضوعية للانطلاقة والاتفاقية. قد يستهدف المؤتمر العلمي الدولي الأول الذي أطلقته حركة حماس أول أمس في غزة هذه المراجعة، ولكن الحكم النهائي على هذه المراجعة إيجابًا وسلبًا تكون في نتائج المؤتمر، وفي القدرة على تنفيذ توصياته العلمية.
لم تعقد المنظمة وفتح مؤتمرًا علميًّا بمناسبة اليوبيل الفضي لاتفاقية أوسلو للمراجعة، ولو أطلقت مثل هذا المؤتمر لقلنا: إن الناس تراجع نفسها، وتعمل على تصحيح مسارها، لكن النتائج السلبية التي تمخضت عن أوسلو تعيق هذه المراجعة؟!
أوسلو تمثل طريق التفاوض المباشر مع المحتل الغاصب، والانطلاقة تمثل طريق الانتفاضة والمقاومة في التعامل مع المحتل. وليس من المبالغة أو الافتراء ما يذهب إليه المحللون، من أن المفاوضات لم تقربنا من حقوقنا ودولتنا المستقلة ذات السيادة، وكذا الانتفاضة والمقاومة لم تحدث اختراقًا حقيقيًّا في القدس والضفة، والنقطة المضيئة في رحلتها الطويلة الشاقة أنها أخرجت المحتل من غزة كرهًا، وبنت قوة عسكرية تدافع عن غزة، وتزعج الاحتلال، وتساهم في حفظ الحقوق الفلسطينية من التآكل التدريجي المستمر.
المؤسف في هذه المراجعات اللازمة الواجبة، أن الحقائق تقول: إن مركز الصراع مع المحتل هو في القدس والضفة، وليس في غزة، وفي المركز لا توجد مقاومة باستثناء الأعمال الفردية، ذلك أن العدو تمكن بمساعدة السلطة من تحييد المركز وإفراغه من المقاومة، من خلال القمع والتنسيق الأمني؟!
عاشت سلطة عباس على وهم حلّ الدولتين فترة بوش الابن، وأوباما، وأحبطت مئات العمليات الجهادية ضد المحتل، والآن تصطدم بموقف أميركي إسرائيلي يتنكر لمشروع حل الدولتين، ويتنكر لحقوق اللاجئين، ويستولي على القدس، ويملأ القدس والضفة بالمستوطنات. بدأت السلطة في 1993م بالوهم، وانتهت بعد ربع قرن إلى الوهم. ولو جعلت من المقاومة ظهيرا لها، لربما حققت شيئًا معتبرًا للقضية. ولكن المؤسف أن المقاومة تعمل بمعزل عن السلطة، والسلطة تناصب المقاومة العداء، وتعين العدو على الاستفراد بالمقاومين، لا سيما في الضفة والقدس، وصدق من قال:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إن كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!
المراجعة تعني غير الدراسة آليات عمل لتصحيح المسار، وتقريب الشعب من أهدافه الوطنية.