عدَّ رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية عمان، د. جواد الحمد، أنَّ اتفاق (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، شكل انحرافًا سياسيًّا وفكريًّا فلسطينيًّا كبيرًا، وانكفاء عن المشروع الوطني الفلسطيني.
ونبَّه حمد في حديث هاتفي مع "فلسطين"، أمس، إلى أن (أوسلو) تتعارض جذريًّا مع المشروع الوطني والفصائل الفلسطينية بما فيهم حركة "فتح" الموافِقة عليها، وأن الطرف الفلسطيني الموقع نفذ 85 بالمائة من المطلوب منه وفق الاتفاق، لكن (إسرائيل) نفذت 13 بالمئة فقط من المطلوب منها تجاه الفلسطينيين.
ورأى أن الاتفاق "لا يعبر عن منطلق فلسطيني".
وأضاف: إن الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد توقيع الاتفاق في سبتمبر/ أيلول 1993، أدرك أنه وقع في خديعة حقيقية، رسمها له فلسطينيون وإسرائيليون في وقت واحد، وأن (أوسلو) شكلت عملية تدمير للفكر السياسي الفلسطيني، وعملية دعم للاحتلال وتمدد عمقه في الأراضي الفلسطينية.
وتابع: إن "الاتفاق جرى وراء الكواليس بعيدًا عن إرادة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، ولم يكن اتفاقًا شاملًا، ووقع على أمل بعقد مفاوضات مستقبلية نهائية على القضايا الأساسيَّة؛ القدس واللاجئين والدولة والعودة والمياه والحدود"، لافتًا إلى أنها رحلت إلى مرحلة لاحقة بوعود لا أساس قانوني لها في اتفاق (أوسلو).
وأشار إلى أن الاحتلال معني بحماية الاتفاق ما دام يحقق مصالحه وتقدم من خلاله السلطة تنازلات.
وأكمل حمد: "في اللحظة التي تبدأ فيها الاستحقاقات الإسرائيلية، مثل: الانسحاب الكامل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتفكيك المستوطنات، يبدأ التردد والتغير". وذكَّر بأنَّ رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس أعلناها في حينه، أن التواريخ غير مقدسة في اتفاق (أوسلو)، بمعنى أنهما لن يكونا جادَّين في تنفيذه.
وحول الأفكار التي يجوز التفاوض عليها، لم تتعلق بقضايا الحلّ النهائي، وكانت المفاوضات لتضييع وقت الفلسطينيين وعقد آمال كاذبة مبنية على (أوسلو)، وفق الحمد.
وعدَّ أنَّ هذه الاتفاقية شجعت دولًا عربية على التطبيع مع الاحتلال، وتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن، وفتحت العالم وآفاقه أمام الاحتلال.
وعلى مستوى دول عدم الانحياز، والدول الإفريقية، وأمريكا اللاتينية، كما يقول الحمد، فإن أكثر من 40 دولة اعترفت بوجود (إسرائيل)، وأقامت معها اتفاقيات دبلوماسية واقتصادية بعد توقيع اتفاق (أوسلو) وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وكان هذا هدية كبيرة جدًّا للاحتلال.
وأكمل: "المشروع الوطني الفلسطيني يقوم على قاعدة تحرير فلسطين وليس على قاعدة التفاهم مع (إسرائيل)، وأي اتفاق سلام مع الاحتلال يقر بوجود (إسرائيل) يعني إطالة عمر الاحتلال وطعنة للمشروع الوطني".
وعدّ أنّ من دمر الاتفاق في المرحلة الأولى هو رئيس وزراء الاحتلال الأسبق اريئيل شارون، عندما دمر مؤسسات السلطة، حتى الأمنية فيها، وأشار إلى أن الاحتلال استخدم السلطة وسيلة لتحقيق أهدافه، ولم يعد بحاجة إلى هذا الاتفاق، وإنما القول شكليًّا حتى لا يكون هناك بديل عن (أوسلو) لطالما يستفيد الاحتلال منها في تحقيق أهدافه.
ووفق الحمد: إن "الشعب الفلسطيني فهم الرسالة مبكرًا ولم يأبه لموقف قيادة السلطة، وتمرد عليها عام 2000، وبدأ انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال أوقفت جميع التنازلات التي كان يفترض أن تقدم لاحقًا".
وأضاف: "في عام 2006، جدد الشعب الفلسطيني هويته بانتخاب حركة حماس التي تتبنى المقاومة المسلحة، وتؤمن بأيدولوجية تناقض الصهيونية بالكامل ولا تلتقِ معها في شيء"، عادًّا أن هذا "خيار الشعب الفلسطيني الحقيقي، وليس كما يتحدث به بعض مؤيدي اتفاق (أوسلو) الفاشل".
ولفت إلى أن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية أثبتت قدرتهما على إخراج (إسرائيل) من أراضٍ فلسطينية وعربية تحتلّها تحت ضربات المقاومة والثمن الغالي الذي يدفعه الاحتلال، وهي فلسفة منظمة التحرير، أن يدفع الاحتلال ثمنًا لاحتلاله حتى ينسحب، لكن هذا توقف بعد (أوسلو)، وعاد من خلال منظمات فلسطينية أخرى؛ حماس والجهاد وبعض الفصائل المقاومة، وكذلك المقاومة اللبنانية.