لم تكن أميركا في يوم من الأيام صديقة وفية للشعوب العربية. أميركا تحمل في ثقافتها عداء دفينًا للعرب والمسلمين. لم يكن هذا العداء الدفين وليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو لا يرتبط بوجود ترامب في البيت الأبيض. بل ربما يرجع العداء لميراث الحروب الصليبية، ثم لوجود دولة (إسرائيل) في فلسطين المحتلة. وما زال هذا العداء، أو قل الاحتقار لكل ما هو عربي يتنامى في الثقافة الأميركية، لدرجة أن ترامب يرى أن أميركا أحقّ بأموال البترول من السعودية والخليج؟! وعلى هؤلاء أن يدفعوا ثمن حماية أميركا لأنظمتهم، وعليهم أن يطبعوا علاقاتهم مع إسرائيل. وعلى الشعب الفلسطيني أن يتقبل ضم القدس لـ(إسرائيل)، وأن يتفهم شطب أميركا لحق عودة اللاجئين، وشطب القرارات الدولية ذات الشأن، وشطب الأونروا؟!
المشكلة عندنا ليست في أميركا وعدائها للعرب والمسلمين على الهوية، بل المشكلة في قادة النظام العربي الذين يعرضون عن الحقيقة، ويدفنون رؤوسهم في التراب كالنعامة، ويريدون أن يتعاونوا مع أميركا، ويكونوا لها أصدقاء، وهم للأسف يشترون حمايتها بأموال الشعب، ولا يرون في (إسرائيل) خطرًا عليهم، وعلى المنطقة برمتها؟!
النظام العربي لا يتعظ، ولا يحسن قراءة الأحداث المعاصرة، فأميركا دمرت في العصر الحديث أفغانستان، ثم العراق، وساهمت في تدمير سوريا، وليبيا، وأجهضت الثورات العربية، وتشعل النار في الخليج، وأدارت ظهرها لمنظمة التحرير، وأغلقت مكتبها في واشنطن، وأوقفت مساعداتها للسلطة، وضمت القدس لـ(إسرائيل)، ونسيت رعايتها لأوسلو، ولحل الدولتين، وما زالت تمنع تقدم العرب، وتعرقل نهضتهم؟!
بعض القيادات العربية الساذجة تراهن على الوقت وعلى سقوط ترامب في الانتخابات القادمة، وكأن من سيأتي بعد ترامب سيكون صديقًا ودودًا لهم؟!، ومن هذه القيادات من عاصر عددًا من الرؤساء الأميركيين، من الديمقراطيين والجمهوريين، وكانوا كما تعلمون بعضهم أسوأ من بعض في التعامل مع العرب والمسلمين، وكلهم تنافس في خدمة (إسرائيل)، ودافع عن بقاء احتلالها للأراضي العربية. المشكلة أخي القارئ ليست في البيت الأبيض نفسه، ولا في ترامب، ولا في حاشيته الصهيونية، المشكلة في العواصم العربية، التي ترى في أميركا جزءًا من الحل والأمن، بينما هي ليست كذلك البتة؟!