فلسطين أون لاين

​صهيب.. المسك سبق الشهادة

...
صورة من تشييع جنازة الشهيد صهيب الكاشف
خان يونس-غزة/ صفاء عاشور:

كل ما بقي لأم نائل الكاشف هو الكثير والكثير من الذكريات التي ربما لن تتوقف عن سردها عن ابنها الشهيد "صهيب"، ذي الستة عشر عامًا، الذي كان الأقرب إلى قلبها من بين أبنائها جميعهم.

كيف لا وهو الذي كان يحمل حسًّا وطنيًّا كبيرًا؟!، كان لا يتوقف عن الحديث عن مسيرات العودة، وحقهم في بئر السبع التي كان يُمني نفسه بالعودة إليها، لما كان يذهب إلى المشاركة في المسيرات الأسبوعية.

حديث صهيب عن مسيرات العودة، ورجوعه منها مصابًا إما بالاختناق بالغاز المسيل للدموع أو بعض الشظايا دفعا والدته وشجعاها لتشارك هي كذلك، وتذهب معه في بعض المرات إلى مخيمات العودة، المقامة بالقرب من السياج الفاصل شرقي مدينة خان يونس.

مشاركات صهيب كما تقول والدته لـ"فلسطين" لم تكن سهلة؛ ففي كثير من الأوقات كان يعود مصابًا إما بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، أو بعض الشظايا التي شوهت جسده الصغير على مدار مشاركته في جُمع مسيرات العودة.

بسالة "صهيب" لا يمكن لأحد أن يتصور أن تخرج من فتى لم يُكتب له أن يتخرج في المرحلة الثانوية؛ فكان دائمًا ما يعُدّه من الشباب الكبار القادرين على الوصول إلى نقاط التماس مع جنود الاحتلال.

فكان كغيره من مئات الشباب الذين وصلوا إلى السياج الفاصل، ودخلوا أحيانًا إلى الأراضي المحتلة، وكان دائمًا ما يقول لأمه التي كانت ترافقه في مسيرات العودة مشيرًا إلى بئر السبع: "سنعود يومًا، ولكن سأكون وقتها شهيدًا".

تقول والدته: "عندما خرج للمشاركة في المسيرة التي أصيب فيها في الثالث من آب (أغسطس) الماضي قال: "سأكون شهيدًا، وسأُصاب بشظايا في الرقبة وبعدها سأستشهد"، ثم أكمل: "كم أتمنى أن أموت في ذكرى ميلادي"، التي كانت بعد يومين من تاريخ إصابته".

وتبين أن نبوءته تحققت وأصيب في المكان نفسه الذي قال عنه، ولكن الله أجّل وفاته حتى الخامس عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري، بعد رحلة علاج قضاها في مستشفى بمحافظة الخليل، أكد خلالها الأطباء أنه إن نجاة صهيب من الإصابة فإنه سيكون مصابًا بشلل رباعي وغير قادر على التحرك.

وتؤكد أنه رغم حالة صهيب الصعبة كان واعيًا ما يحصل حوله، وكان دائم الدعاء لله بأن يحقق له أمنيته بأن ينال الشهادة، ولكن أن تكون على أرض غزة لا خارجها، لذلك كان دائم الطلب من والدته التي كانت بصعوبة تستطيع سماع صوته الذي يخرج من جسده المصاب أن يعود إلى غزة.

لم تجد والدته التي كانت ترافقه في رحلة علاجه في الخليل إلا أن تستعجل الأطباء بعودة ابنها إلى قطاع غزة، وهو ما رفضه الأطباء في البداية نظرًا إلى حالة صهيب الصحية الصعبة وإمكانية علاجه بالخارج، إن نجحت الجهود التي كان يبذلها الأطباء هناك.

لكن والدة "صهيب" خضعت لمطالبات ابنها الذي كان لا يتوقف عن المطالبة بالعودة لغزة للموت فيها، وهو ما كان له إذ عاد يوم الخميس الماضي إلى قطاع غزة لينال الشهادة بعد ذلك بيومين مساء الخامس عشر من سبتمبر.

بكلمات تحمل كل معاني الوجع والفخر في الوقت نفسه تؤكد والدة "صهيب" أن ابنها نال ما تمناه، فجمعه الله بأصدقائه الشهداء الذين سبقوه، وتأثر بوفاتهم كثيرًا وتمنى اللحاق بهم، خاصة الشهيدة المسعفة رزان النجار التي أسعفته أكثر من مرة عند إصابته بالغاز المسيل للدموع.

استشهد "صهيب"، وستبقى ذكراه وذكرى حبال الغسيل التي كان يقطعها من البيت ليحولها إلى "مقلاع" ليرمي به الحجارة على جنود الاحتلال إحدى الذكريات التي ستسردها والدته، وهي مبتسمة ابتسامة خجولة، يطغى عليها الكثير من دموع الحزن على فقدانه.

ذكريات ستخزنها الذاكرة التي لن تقوى على النسيان، وإن تجرأ العقل على نسيان جزء منها فإن رائحة المسك التي لا تزال تلازم ملابس صهيب، التي أصيب بها في بداية أغسطس وتسلمتها أمه بعد عشرة أيام من المستشفى؛ ستعيدها مباشرة إلى العقل والقلب.