فلسطين أون لاين

​أم أيمن تطرز ذكرياتها على حدود قطاع غزة الشرقية

...
غزة - شيماء العمصي

بشغفها وعلاقة الحب الواضحة بينها وبين خيوط التطريز، وبتلك العلبة الحديدية المفرغة من حبات الشوكولاتة لتمتلئ بها الإبر وخيوط الحرير الساحرة التي ما فتئت ترافقها في كل نزهة منذ نعومة أظفارها، حتى وصلت إلى أن ترافقها في مشاركتها في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار.

في خيمة قرية "بربرة" المقامة في مخيم العودة شرق البريج بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ترتدي الحاجة "أم أيمن" ثوبًا مطرزًا بالحرير الأحمر, وتجتمع حولها فتيات في عمر العشرين.

أم أيمن هي امرأة في الستينات من عمرها, أجادت التطريز بحرفية منذ نعومة أظافرها, اقتربت مراسلة صحيفة فلسطين منها, وجلست بجوارها وطرحت عليها السؤال, ماذا تفعلين يا حاجة؟ أجابتها الستينية: "مثل ما انتي شايفة يا بنتي, أطرز بكل حب أثوابا فلسطينية, وقطع قماش من تراث فلسطين العريق".

تكمل وهي مسرورة:" رأيت الشباب وهم يدافعون عن أرضهم بأبسط الأدوات التي ترد الروح إلى الجسد, فاستثمرت وجودي السلمي في هذه المسيرة وأحضرت معي بعضًا من بكرات خيوط الحرير الملونة وقطع التطريز".

وتلفت إلى أنها استثمرت وجود بعض الفتيات مع أهاليهن، وبدأت تعلمهن التطريز، وتنسج لهن ذكريات الماضي التي لا تمحى أبدًا من الذاكرة على تلك القطع البيضاء بألوان زاهية.

وفي حديثها عن التطريز تقول أم أيمن: "التطريز فن فلسطيني عريق ورمز للهوية الفلسطينية يميزنا عن باقي شعوب العالم، (...) يجب علينا التمسك به وتعليمه لأبنائنا كما تعلمناه من أهلنا".

وإلى جانب كونه شغفا، تشير أم أيمن إلى أن هذا النوع من الفن أعاد شيئًا من الحياة إلى الذاكرة، ناهيك عن أن "مهنة التطريز ليست بالمهنة السهلة، بل تحتاج إلى تركيز وجهد ووقت كبير، إضافة إلى استخدام قماش خاص وخيوط ملونة من الحرير".

وتعود بذاكرتها إلى الوراء, إلى بلدتها وذكرياتها مع أمها, وتقول: "كنت أعود من المدرسة, وأجلس بجوار أمي على باب منزلنا في قرية بربرة, تحت ظل شجرة الجميز الكبيرة, دون أن أبدل ملابسي حتى, وأنظر إلى يديها الناعمتين وهي تحيك وتطرز أجمل الملابس بالنقوش الفلسطينية الراقية, وتردد الأناشيد التراثية الرائعة".

وتقول بحزن: "يا ليتنا بقينا في بربرة, كل جمعة من كل أسبوع آتي إلى هذه الحدود, وأشعر وكأني في بلدتي وعلى مقربة منها, أشتم رائحة الطابون, وأستظل في ظل شجراتها, الله يحرمهم من كل شيء يتمنونه, كما حرمونا من بلادنا".

وتضيف بكل صمود: "جئنا اليوم هنا إلى هذه الحدود لنثبت بعاداتنا وثقافتنا أنها سلاح لنا في وجه الاحتلال, ونثبت للعالم رغم مسيرتنا السلمية أننا لن ننسى تراثنا الفلسطيني, ولم ننسَ بلادنا التي هجرنا منها قسرًا, وأن لنا مطلبا شرعيا يجب استرداده, وأن القدس هي عاصمتنا الأبدية, وأن لا عاصمة لهم, هم دخلاء على أرضنا, وهم ورؤساؤهم إلى زوال".

وتؤكد: "هدفي من تعليم الفتيات هذا التراث العريق أن لا يدفن ويطمس, وأن يبقى يتوارث من جيل إلى جيل, ولتأكيد حقنا في أرضنا وسلمية مسيرتنا، ولنشير للعالم أن هذا التراث هو القادر على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي, وليس كما يقولون إن هذا التراث لهم".

والجدير ذكره أن مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار انطلقت في الثلاثين من مارس / آذار الماضي في ذكرى يوم الأرض، تأكيدًا على حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها، ودعوة لكسر حصار الاحتلال الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وما تزال المسيرات مستمرة أسبوعيًّا.