فلسطين أون لاين

​شادي استعدَّ للشهادة بحفظ سورة الرحمن

...
تصوير / رمضان الأغا
غزة - هدى الدلو

في كل جمعة يلبي نداء الوطن بالذهاب للمشاركة في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، ليلعن الحصار الذي ولد معه، والانقسام والظروف التي حالت دون العيش بسلام وكرامة له ولأهالي قطاع غزة كافة، بل أدت لتردي أوضاعهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم.

ووصل الأمر به إلى حرمانه من حقه في الحياة بسبب رصاصة غادرة استقرت في رأسه فأودت بحياته، فطفولته لم تشفع له، ولا حتى مشاركته السلمية، فلم يكن الطفل ذو الأعوام الأحد عشر مدججًا بالسلاح، ولم يشكل خطرًا على جنود الاحتلال الإسرائيليين المختبئين بآلياتهم ووراء الكثبان الرملية..

الشهيد الطفل شادي عبد العزيز عبد العال (11 عامًا) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، استشهد مساء يوم الجمعة الماضي، برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال مشاركته في فعاليات مسيرة العودة، التي حملت اسم جمعة (المقاومة خيارنا) على الحدود الشرقية لمخيم جباليا.

كان وضع العائلة "مكركبًا" إلى حد ما، فأحد أقاربه مريض ويرقد في المستشفى الإندونيسي منذ أيام، وشقيق الشهيد الأصغر منه أغلق الباب على يده، مما استدعى نقله إلى المستشفى بصحبة والده، فلم يكن متفرغًا لتفقد أبنائه وأحوالهم، خاصة أنه يخاف عليهم من الذهاب إلى الحدود الشرقية، فعمر شادي الصغير لا يقوى على تحمل مسئولية نفسه والحفاظ عليها.

عم الشهيد هاني عبد العال قال: "جاءني اتصال يفيد بوجود شهيد مجهول الهوية، ويرجح أحدهم أنه من عائلة عبد العال وأحد أبنائي، فاتصلت بوالد الشهيد لوجوده في المستشفى ليذهب إلى ثلاجة الموتى ويلقي نظرة على الشهيد وأغلقت خط الهاتف، عاودت الاتصال مرة ثانية عله يهدّئ لوعة قلبي، فقال لي: "إنه ابني أنا شادي"".

ذلك الطفل صاحب الملامح البريئة، لم يلتفت لتحذيرات والده وتوبيخه في كل مرة يذهب فيها للمشاركة في مسيرات العودة، وكان يصر على الذهاب من أجل استرجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة من عقود طويلة، ولتحسين الوضع المعيشي في القطاع بفعل حصار الاحتلال المطبق على أنفاس الغزيين.

محمود توأم شادي، قال: "في كل مرة أريد فيها الانصياع لأوامر والدي بعدم الذهاب، كان شادي يصر على المشاركة فلم يهن عليّ أن يذهب بمفرده، فكيف أتركه، وأنا من رافقته تسعة شهور في رحم والدتنا؟".

وسرد عن اللحظات الأخيرة لشادي: "وأثناء تواجدنا على الحدود الشرقية، كان صديق شادي يحمل حقيبته وقد خطا خطوات متقدمة نحو الأمام، فصرخ عليه بأنه يريد الحقيبة فألقاها له، فتقدم شادي نحوها من أجل جلبها، فناديت عليه ألا يتقدم خوفًا على حياته، ولكن كانت الرصاصة أسرع من صوتي".

لم يقوَ محمود على رؤية أخيه بهذه الحالة، وأيقن أنه فقد توأم روحه تماما بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة، فسقط مغمىً عليه، وتابع حديثه بنبرة مؤلمة: "شادي ليس فقط أخي، هو شقي الثاني، لم نكن نترك بعضنا لحظة واحدة، فكانت تفرقنا ساعات النوم فقط، ولكن الآن يفرقنا الموت أيضًا وللأبد".

سيفقد محمود المزاح والضحك واللعب معًا، وسيذهب للمدرسة بمفرده، عوضًا عن ذهابه معه، فقد كان كل واحد منهما للآخر كخياله وظله الذي لا يفارقه.

قبل ذهابه للمسيرة طلب من والدته أن تجهز له طعام الغداء، ولكنه لم ينتظر بل ذهب ولم يعد، وقالت شقيقته: "في صبيحة يوم الجمعة، سمع أن جدته تشتهى الرطب، فذهب وقطف لها وغسله بماء البرميل، وأحضره لها، وعندما سألته عن مكان إحضاره، قال لها، فرفضت تناوله بحجة أنه غسله بالبرميل، فقال لها: "والله أحضرته عشان خاطرك"".

وفي إحدى زياراتها لبيت أهلها كان شادي يجلس منهمكًا ليصنع مقلاعًا، ويصحبه معه أثناء ذهابه لمسيرات العودة، استيقظت شقيقته صبيحة استشهاده على صوت محمود وهو ينادي "شادي.. شادي..".

وكان شادي قد طلب من والدته قبل فترة وجيزة أن تحفظه سورة الرحمن، وكأنه يستعد لشيء لا يعلمه أحد، كما أنه كان صاحب ابتسامة لا تغيب عن وجهه، ومحبوبًا بين الجميع.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في آخر إحصائية صدرت عنها، عن إجمالي اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار في جمعتها الخامسة والعشرين شرق قطاع غزة، حيث استشهد ثلاثة مواطنين منهم طفل، وأصيب 248 مواطنًا (من الإصابات 6 حالات خطيرة و18 طفلا ومسعفان)، وحوّلت 120 إصابة من النقاط الطبية للمستشفيات، منها 80 إصابة بالرصاص الحي.