يذهب محمود عباس إلى الأمم المتحدة لإلقاء خطابه السنوي من على أهم منبر أممي خلال السنوات الماضية، وهو الخطاب المكرّر كل عام، وهذه المرة مدعّم بالغضب على الولايات المتحدة وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، وسيطغى عليه الخطاب العاطفي المتمسكن الذي لم يُضِف للقضية الفلسطينية شيئًا على مدار السنوات الأخيرة.
هذه المرة أيضًا يذهب عباس بلا أي غطاء أو دعم شعبي أو فصائلي كما كان يفعل كل مرة، بحيث يستعطف الفصائل لدعم موقفه، وكانت تفعل ذلك، لعل وعسى أن يغير سياسته ويبدّل مواقفه، لكن سرعان ما يعود لمواصلة مسيرة التسوية والتقارب مع الاحتلال والتنسيق الأمني ومهاجمة الفصائل وإدارة ظهره لشعبه، ويحقّر المقاومة ويقدّس التنسيق الأمني.
لعل ذكرى مرور ربع قرن على مسيرة عباس ومسيرة أوسلو الكارثية، يُذكّر الفلسطينيين بأنه لن يضيف لقضيتهم أي جديد سوى مزيد من التنازلات والتنسيق الأمني مع الاحتلال وتراجع القضية الفلسطينية على الصعيد الوطني المحلي وحضورها على الصعيد الدولي، حيث تعتدي وتعربد إسرائيل ضد المواطنين وتجد كل تعاون من عباس والأجهزة الأمنية في حماية المستوطنين وتقديم الضمانات للاحتلال بالحماية، ووسم المقاومة بالإرهاب ووصف الفصائل بالمليشيات.
سيكون خطابه مهتزًّا أمام الأمم المتحدة وهو يتحدث عن قطاع غزة وحصاره، وهو القادم من رام الله التي تواصل إجراءاتها العقابية ضد المواطنين المحاصَرين الفقراء ويزيدهم فقرًا بعقوباته التي طالت الآلاف من الموظفين وقطع رواتب الآلاف من أسر وعائلات الشهداء والجرحى والأسرى، ليقف الكل مستغربًا من خطابه الذي يطالب برفع الحصار عن غزة، وهو يضرب بقبضة حديدية عليها، ويساهم في حصارها.
سيتحدث عن بناء المؤسسات الوطنية ودعمها وهو يتخلى عن الخان الأحمر الذي لم يتلقَ من السلطة سوى الشعارات والكلمات والخطب الرنانة من قبل المسؤولين والمحيطين به، بينما يُصدم الخان الأحمر وحده في مواجهة الاحتلال كحال المدينة المقدسة التي يتم تهويدها ليلًا ونهارًا، وهنا بصمت عربي وإسلامي متباكٍ شكًلا مستسلم في الواقع.
عباس الذي يغرد خارج السرب الوطني بالقضية الفلسطينية سيفشل مجدّدًا في طرح القضية الفلسطينية والدفاع عنها أمام التواطؤ الأمريكي مع الاحتلال، لأنه ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يحاصر غزة لا يمكن أن يطالب برفع حصارها، ومن يقدس التنسيق الأمني لا يمكن أن يحرر وطنًا.