قال رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق شامير: "سنفاوضهم عشرين عامًا دون الوصول إلى نتائج"، لم تتحقق مقولة شامير فقط بل أكثر من ذلك، ووصلنا إلى 25 عامًا، ومن شاهد أمس صائب عريقات الذي انتقل في مسيرته من ناطق باسم وفد التسوية إلى أمين سر اللجنة التنفيذية وكبير المفاوضين، ويكرر نفس الأسطوانة، دون كلل أو ملل، وزاد عليها مهاجمة الفصائل الفلسطينية ورئاسة المجلس التشريعي.
لم يجنِ الشعب الفلسطيني من مسيرة المفاوضات والاتفاقيات سوى ضياع الحقوق، وتوسع الاستيطان والاعتراف بالاحتلال والتنازل عن 87% من فلسطين التاريخية، والتفاوض على ما تبقى منها، وتم شرعنة وجود الاحتلال في الضفة الغربية، وتهويد القدس والاستفراد بها، وفتح الأبواب أمام الأنظمة الرسمية العربية وبعض الإسلامية للتطبيع مع الاحترام، وتحولت السلطة إلى عراب للتطبيع وبوابة تشبه المحلل لدخول العربي إلى الكيان.
السرد الموضوعي الطويل لنتائج الاتفاقيات مع الاحتلال يتهرب منها بعض من شارك فيها، فيما ما زالت رئاسة السلطة هي المتمسكة بالمفاوضات مع الاحتلال لأنها تنجي الأموال والمكاسب الشخصية لبعضهم بما فيهم منظمة التحرير التي تم تعديل هيكلها الحالي وتشكيلتها الحالية سوى من يرتبطون بمصالحة منفعية وشخصية مع الاحتلال، وحولوها إلى مقاولة أمنية خدماتية لصالح الاحتلال.
الاستمرار الفلسطيني في تحمل تبعات أوسلو هو الخطيئة المستمرة، وعدم معالجة تبعاتها كذلك هو الأخطر في ظل غياب نظام فلسطيني شرعي يمثل كل الفلسطينيين، ومما حققته أوسلو ورمته في جوهنا اليوم الانقسام الفلسطيني، بعنوانه ليس الانقسام الذي حدث عام 2006 عندما رفضت منظمة التحرير والسلطة الاعتراف بنتائج الانتخابات، بل منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو ندمًا انقسم الفلسطينيون إلى مشروعين مشروع شعبي بالتمسك بالمقاومة والتحرير دون التنازل للاحتلال، ومشروع التسوية الذي رسخه محمود عباس، وانقلب على الراحل ياسر عرفات الذي حاول إيقاف عجلة التسوية أو على الأقل وقف دفع الثمن، فدفع ثمن ذلك، بمشاركة من رفاق التسوية، والتواطؤ العربي المشهور في قمة بيروت عام 2002.
منظمة التحرير لم تعد سوى هيكل عظمي، يمكن إحياؤها بإعادة تشكيل المجلس الوطني وانتخاب ممثليه وبالتالي إعادة تشكيل كامل المنظومة التشريعية والممثلة للكل الفلسطيني، وضرورة إعادة كافة المواد التي يضمها ميثاق منظمة التحرير المستمد من اسمها لتحرير فلسطين، وبذلك يمكن إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بعيدًا عن الإفرازات التي حدثت، وتسببت بالانقسام الفلسطيني.
إلى أن يحدث ذلك، هناك حاجة ملحة فلسطينية بالإعلان بشكل واضح من الفصائل الفلسطينية عن البراءة التامة من مشروع التسوية مع الاحتلال ووقف أخطر ما ترتبه عليه وهو التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة، لأن المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق، ووقف مطاردتها واعتقال المقاومين.