عادت الأجواء المناسبة لاندلاع تصعيد عسكري جديد إلى الواجهة بعد آخر موجة تصعيد حدثت قبل ثلاثة أسابيع، عندها تدخلت بعض الأطراف الإقليمية والدولية لاحتوائه، ونجحت في ترحيله إلى مواجهة جديدة، قد تكون أعلى مستوى منها، لأنها عالجت حيثيات التصعيد الأخير لكن لم تفعل شيئا لمنع التصعيد القادم، على الرغم من الحديث المتكرر من طرفي المواجهة أنهما لا يرغبان به، لكن الظروف مواتية لتجدده والذهاب نحوه قد يكون بشكل أعلى من الماضي.
بعد أن نجحت الأطراف في احتواء التصعيد الأخير استكانت للنتائج ولم تواصل جهدها، وفي مرحلة فشلت في استثمار ما حدث في إزالة أسباب التوتر والتصعيد، على الرغم من الرسائل التي أرسلتها حماس خلال الأيام الماضية تدعو فيها الأطراف لاستدراك الأحداث ومنع تدهورها، وبلغت ذروتها بالتهديد الذي صدر عن رئيس المكتب السياسي لحماس حول استعداد المقاومة لحرب طاحنة، وذلك للوم الوسطاء بعد غياب دورهم، واستلامهم لموقف عباس الرافض للتهدئة، وهو الأمر ذاته تم من خلال تهديدات رئيس الأركان في جيش الاحتلال الذي تحدث عن استعداده وجهوزيته للحرب، إلى جانب ما صرح به مصدر عسكري إسرائيلي أننا أمام موجة تصعيد جديدة.
الأجواء التي يتم توفيرها حاليًا تساهم أكثر في خلق التوتر ما لم يتداعى الوسطاء لاستدراك الأحداث وامتصاص مسببات وقوعها، وفي مقدمتها استمرار خطوات كسر الحصار، واستئناف المشاورات حول التهدئة وقد يكون مطلوبا منها الذهاب مباشرة نحو مباحثات التهدئة وعدم ربطها بالمصالحة, وإزالة الجميع عن الشجرة لصالح منع التصادم، وعدم ربطها بالمصالحة التي يبدو أن رئيس السلطة محمود عباس ممسك بزمام السلطة ولن يسمح لمصر أو قطر أو الأمم المتحدة بانتزاع ورقة القوة من يده، ولو كان الثمن حربا في غزة، من خلال إعاقة التهدئة مع الاحتلال وعدم التجاوب مع المقترحات المصرية بخصوص المصالحة الوطنية.
المعادلة تزداد تعقيدًا بسبب بطء الاحتلال في الالتزام بكسر الحصار واتخاد خطوات فعلية بهذا الاتجاه وعدم التزامه بدفع الثمن لذلك، إلى جانب دخول عوامل مرتبطة بالصراعات الحزبية الإسرائيلية مما ساهم في تراجع الاحتلال عن ذلك، أو على الأقل ليس وفق الرسائل التي وصلت من طرفها بذلك.
لا زال الوسطاء يتقدمون خطوة ويتراجعون خطوات في سبيل إنجاز التهدئة وربطها بالمصالحة التي يدركون درجة تعقيدها، وصعوبة تقدمها نتيجة الإجراءات العقابية التي يفرضها عباس، ويضع شروطه التعجيزية لإتمام المصالحة.
لذلك بدأنا ندخل في محرقة الوقت التي بتقديري من الصعب أن تقبل المقاومة في غزة باستمرارها، والرسائل التي تصل بهذا الشأن واضحة، وارتفاع منسوب التوتر أمس الجمعة يسير بهذا الاتجاه، لكن هي رسائل الإنذار بضرورة استدراك الأحداث كي لا نجد المنطقة في دائرة جيدة من التصعيد قد تكون أكثر من المرات السابقة، لكن ما زالت معادلة السيطرة على مستوى الوصول لها موجودة, ما يوقع الحدث خارج السياق.