كثيرون ممن كانوا يختلفون معه سياسيا تغيرت وجهة نظرهم عندما جلسوا معه واستمعوا إليه, فهو يتسم بالصدق وبساطة الكلمة رغم مدلولها العميق, والإحساس اليقيني بأن الكلمات تخرج من القلب بلا تكلف أو تزويق أو تجميل, لديه من الجرأة ما يستطيع أن ينتقد به حتى نفسه, ومن اليقين ما يمكن أن يجعلك تؤمن بكل أطروحاته, عندما يتحدث تشعر بأنه يتحدث إليك أنت وحدك رغم أنه يخاطب الجميع, لأنه يعبر عما يجول في خاطرك ويشعر بما تشعر به, انه الأسير المحرر والقيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية حماس عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتبها في قطاع غز يحيى السنوار أبو إبراهيم, هو ابن الشارع وابن المخيم وابن المجدل وابن فلسطين البار, يتحدث إليك كأنك تستمع لشهيد حي, يتحدث وكأنه يتلو على مسامعنا وصيته الأخيرة, وفي نفس الوقت تجده يبشرك بمستقبل أكثر إشراقا ويزرع فيك الأمل والحياة الأجمل.
استطاع أن يكسب حب واحترام ابن الشارع البسيط, فعندما يغيب عن وسائل الإعلام يسألون عنه ويجتهدون في أسباب غيابه, بعضهم يقول: «زعلان علشان المصالحة فشلت», وآخرون يقولون: «مش راضي على كل اللي بصير», وآخرون يفسرون: «يا جماعة الراجل في واد والناس في واد آخر علشان هيك زهق وما بده يكمل», وعندما يظهر على وسيلة إعلامية يلتفون حول الشاشات ليراقبوا ما يقول, ويبحثوا عن تصريحات تزرع فيهم الأمل مثل «المصالحة راح تتم غصب عن الجميع», و"إحنا مستعدين لمفاجأة لاحتلال بقوتنا", و"الحصار راح نرفعه يعني راح نرفعه", كلماته تطربهم وتدغدغ مشاعرهم وتقنعهم وتزرع فيهم الأمل والثقة وتشد من عزائمهم, رصيده لدى الجماهير سنوات طويلة من الأسر في سجون الاحتلال الصهيوني, وتاريخ نضالي كبير في مواجهة الاحتلال الصهيوني, والتزام ديني وأخلاقي كبير, وحياة بسيطة جدا في أروقة المخيم.
نخبة من خيرة الكتاب والمحللين السياسيين تشرفت أن أكون من بينهم جمعهم لقاء مطول مع القائد أبي إبراهيم, اللقاء أعلن عنه انه سيستمر ثلاث ساعات حسب منظم اللقاء, لكنه استمر لخمس ساعات, مرت وكأنها دقائق, فمعرفتي بهذه النخبة من الكتاب والمحللين السياسيين أن بعضهم لا يحبون الجلسات الطويلة, ولا يشاركون في اللقاءات الحوارية حتى نهايتها, لكنني لمست منهم حرصاً على الحضور, وانشدادا كبيرا في الاستماع للرجل وهو يتحدث, وحيوية في النقاش والحوارات, وحرصاً على امتداد النقاش لأطول فترة ممكنة, بل وحرصاً شديداً لالتقاط الصور الثنائية مع أبي إبراهيم, الذي كان يحتضن كل واحد منا وكأنه أخوه الذي يعرفه منذ أمد بعيد, إنها سمات القائد الذي يتواضع للجميع وكأنه أقلهم, مما يجعله في نظرهم قامة وهامة لها كل الاحترام والحب والتقدير.
الحوار مع القائد أبي إبراهيم تناول ثلاثة محاور رئيسة هي المصالحة, التهدئة, قدرات المقاومة العسكرية واستعداداتها اللوجستية لأي مواجهة قادمة أو محتملة مع الاحتلال, وكل ملف من هذه الملفات يحتاج لساعات طويلة من التقديم والنقاش والحوار, لكن الالتقاء الفكري بين المجتمعين والمتحدث اختصر الكثير من المسافات, وأجاب على الكثير من الأمور والقضايا التي تشغلنا وتشغل الشارع الفلسطيني, حتى ان احد المُداخلين من الزملاء قال للقائد أبي إبراهيم, اخشى ان تكون قد أخذتك الحماسة, واندفعت في الكلام بعفوية وهذا له ثمن كبير, فرد عليه أبو إبراهيم بأن ما أقوله لك حول قدرات المقاومة ستراه بعينك في حال اندلعت مواجهة عسكرية مع الاحتلال, وستأتيني ان بقيت لي حياة لتقول إنني كنت صادقا فيما بشرتك به, وسبق ان بشرت احد الإخوة الصحفيين بربيع فلسطيني قادم, وكنت اقصد به مسيرات العودة الكبرى, ولم يكن مقتنعا بما أقول حتى رآه بأم عينه, وأيقن أنني كنت اعني ما قلته تماما, وأضاف القائد السنوار: يجب ان تعلموا وتكونوا على ثقة ان هذا الحصار المفروض على غزة سيرفع رغم انف الاحتلال, ولن نسمح بتجويع شعبنا في غزة والاستمرار في حصاره أكثر من ذلك, وهذا ليس قرارنا وحدنا, انه قرار الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والديمقراطية وكل الفصائل, وهذا ما يبعث على الارتياح ويدعو للتفاؤل.
وبسؤاله عن ضرورة انتهاج كل السبل بما فيها السبل الدبلوماسية للوصول للأهداف وعدم إغفال رؤية المجتمع الدولي لحل ما يسمى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وإن هناك دولا أوروبية مستعدة لفتح مسارات للحوار مع حماس, ونظرة البعض بإيجابية للحركة واستعداداتها لإيجاد حل لمشكلات قطاع غزة بفتح قنوات دعم مالي للقطاع حتى لو كان مع حماس, أو أي جهة حيادية تحددها الحركة, قال إننا نعلم ذلك وندرك دورنا جيدا, ولن نتوانى في خدمة أبناء شعبنا بكل السبل الممكنة, وسنبحث عن آليات ونطرق كل الأبواب لتخفيف الأعباء عن اهلنا في فلسطين وقطاع غزة, لكني في نفس الوقت أؤمن إيمانا مطلقا ان ابن المخيم الذي يرتدي سروالا مصنوعا من كيس الطحين الذي تسلمه له الوكالة, ويجري به في ازقة المخيم حافي القدمين, هو القادر على قيادة المعارك ضد الاحتلال الصهيوني وتحقيق النصر, فهذا تربى في عمق المعاناة, وتمرغ في تراب الوطن وحمل على عاتقه هموم الأيام وويلات القهر والحرمان كما كل الشعب الفلسطيني بفئاته المختلفة, لذلك هو سيقاتل لأجل حريته وكرامته واسترداد أرضه وتطهير مقدساته من دنس الاحتلال, ان دبلوماسية القهر أقوى من دبلوماسية السياسة وهى الأجدر بتحرير الأوطان وخلاص الشعوب من ويلات الاحتلال.
إنها سمات من إنتاج الذات تلك التي يتمتع بها القائد الكبير أبو إبراهيم, ساعات خمس مضت ما كان لها ان تنتهي إلا بانعتاق ذواتنا من عبودية القلم المأسور في قفص الرقيب الذاتي, وسطوة الكلمة التي تقيد حرية الخطاب الثوري التحرري الواعي الصادق, كلمات تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها, انه لقاء السحاب الذي لن يتكرر كثيرا, لأن الوقت يضيق, والرجل مسؤولياته تتسع وتتشعب وتتعدد, والأيام تطوي صفحاتها سريعا وكأنها تسوقنا إلى منتصف الطريق لنبحث عن سبيلنا نحو النصر والتمكين, فهل نهتدي لذاك السبيل, أم تسوقنا أقدارنا إلى عالم المجهول, رغم ان الرجل أضاء لنا تلك الدروب الحالكة, ووضعنا على بداية الطريق, وعلينا ان نطلق شارة البدء للعدو سريعا وكأننا في ماراثون طويل, حتى نصل في النهاية إلى حيث يكمن ذاك النور الراقد في أيكه البعيد, والذي أشار إليه أبو إبراهيم ببنانه ودلنا عليه, فهل نجد ونصل أم أننا سنضل الطريق؟