تعالت الشعارات والخطابات الرنانة في الأيام الماضية من خلال الحديث عن غزة ودورها في المشروع الوطني، وتنادى البعض لإنقاذ غزة من وحش البؤس والتدهور الاقتصادي والإنساني، متسلحًا بالحديث عن حماية غزة مما يسميه مشروع صفقة القرن، وحمايتها من الذهاب لصالح مشاريع التسوية.
عندما تستمع للمتحدث تصاب بحالة من الوجوم، وتسأل السؤال الخطأ: من يحاصر غزة إذًا؟َ!، وهل غزة خارج المشروع الوطني فعلًا؟، ومن يتوعد بأنه على جثته أن يتم كسر الحصار عن غزة؟ ليبدو المشهد المعكوس تمامًا، لكن هو زمن الفزعة، وخُذْهم بالصوت العالي، وبِع المياه في حارة السقايين.
المعكوس تمامًا عندما يتحدث وزير التنسيق الأمني في الضفة الغربية عن العلاقة مع الاحتلال بما يسميها الرؤية الوطنية، وعندما يتصدر الحديث كبير المفاوضين مع الاحتلال، ويقدم رؤية وطنية للتفاوض مع الاحتلال، ويركز حديثه عن غزة، وحمايتها من الانزلاق بعيدًا عن المشروع الوطني.
الحديث عن الوطنية في تناول ملف غزة يحيلك إلى المثل الشعبي المشهور "لا تبِع المية في حارة السقايين"، وعندما يتحدث كبير المفاوضين مع الاحتلال ووزير الشؤون المدنية "وزير التنسيق الأمني" عن الوطنية يصلح لهم ذلك، وهو الذي يعجز عن الإجابة عن أين ذهبت غزة وأريحا أولًا؟، وماذا تفعل دوريات الاحتلال في الضفة الغربية كما يحدث في الخليل ورام الله ونابلس وبيت لحم وجنين وسلفيت كل ليلة وفي وضح النهار كذلك، وماذا بخصوص التنسيق الأمني وإقامة مكاتب له في كل مدينة؟، ويجبرهم حسين الشيخ على التواصل المباشر مع الاحتلال عبر ما تسمى دوائر التنسيق الأمني؟
المشروع الوطني يُبنى بغزة بدماء الشهداء على الحدود الشرقية للقطاع التي تنهض اليوم لتنهي سنوات الحصار التي يفرضها الاحتلال وتساعده في ذلك الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة ضد المواطنين بغزة، وهي تبحث اليوم عن مخرج ومنقذ لمشروعها الوطني من أجل التفرغ للقضايا الوطنية الأكثر أهمية في القدس، التي هبت لإفشال مشروع التسوية الذي قدمه ترامب ووافق عليه عباس شخصيًا.
خلال كتابة المقال أعلن الاحتلال عن تفكيك خلية كبيرة لحركة حماس، كانت تخطط للقيام بعمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، وذكر أن هذه الخلية تحمل الرقم 35 خلال ثلاثة أعوام تمت بالتنسيق بين جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية في الضفة التي يقود التنسيق فيها الوزير حسين الشيخ، وتتم عمليات الاقتحام والاعتقال بالتنسيق المباشر عبر مكاتب التنسيق لاقتحام المدن واعتقال هؤلاء الشبان، وهدم المنازل.
هكذا تبدو الصورة أكثر وضوحًا وتعبيرًا عن واقع الحال في الضفة الغربية ضمن سياسة التنسيق الأمني، وبين صورة غزة التي تتصدى لمشروع التسوية في المنطقة وأفشلت إعلان ترامب في أكثر من محطة، واليوم تسعى لإنهاء الحصار بأي شكل من الأشكال ضمن وحدة الفصائل وموقفها الوطني الرافض للتنسيق الأمني والداعم للمقاومة، وحالها اتركوا غزة وشأنها فهي قادرة على اقتلاع شوكها بأسنانه