مساء كل ليلة، ومنذ أكثر من أسبوع، تتسابق القناتان الإسرائيليتان العاشرة والثانية في بث مقاطع من تسجيلات صوتية لمحادثات بين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أرنون موزيس.
وفضلاً عن نتنياهو، تبرز في ثنايا هذه المقاطع المسجلة أسماء نواب في برلمان الاحتلال الإسرائيلي"الكنيست"ورجال أعمال.
وبينما سارع بعض هؤلاء إلى نفي أي علاقة لهم بصفقة كان يُجري إبرامها بين نتنياهو وموزيس، اعتبر خبير في الشؤون الإسرائيلية، أن ما يجري يشير إلى "تغلغل الفساد" داخل مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي.
هذه التسجيلات سجلها مسؤول سابق في مكتب نتنياهو، بناءًعلى طلبه، ووصلت إلى شرطة الاحتلال الإسرائيلي عن طريق الصدفة، بينما كانت تحقق في قضية أخرى.
نتنياهو وموزيس
بناءً على محتوى التسجيلات، عرض نتنياهو على موزيس الحد من قوة صحيفة "(إسرائيل) اليوم"، المنافسة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، مقابل وقف انتقادات الصحيفة الأخيرة لنتنياهو وعائلته، وتغطية أعمال حكومة الاحتلال بصورة أكثر دعماً لنتنياهو.
و"يديعوت أحرونوت" هي الأوسع انتشاراً في دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن صحيفة" (إسرائيل) اليوم" المجانية أثرت على نحو كبير على توزيعها وعدد الإعلانات التجارية فيها.
وحتى الآن، يواجه نتنياهو تحقيقات في "شبه فساد" عبر السعي عام 2014 إلى تقويض "(إسرائيل) اليوم"، المملوكة لصديقه الثري، الأمريكي اليهودي، شلدون ادلسون، رغم أن تلك الصحيفة من أكبر المدافعين عن نتنياهو.
ووفق القناة في التلفزيون الإسرائيلي، مساء أول أمس ، فإن لدى شرطة الاحتلال الإسرائيلي شبهات أخرى بشأن توسط نتنياهو بين موزيس وثلاثة رجال أعمال أجانب للاستثمار في "يديعوت أحرونوت" أو شرائها.
ومراراً، حققت الشرطة مع نتنياهو وموزيس، لكنها لم تنهِ تحقيقاتها، ولم يقرر المستشار القضائي لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، افيخاي مندلبليت، ما إذا كان سيقدم لائحة اتهام ضد نتنياهو أو موزيس أو كليهما. لكن نتنياهو نفى، في بيان الاثنين 16-1-2017 ، الاتهامات الموجهة إليه.
ووسط دعوات من المعارضة إلى استقالة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ، اعتبر نتنياهو أن هناك حملة إعلامية واسعة لإسقاط حكومة "الليكود" برئاسته، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
جماعات بالكنيست
التسريبات المسجلة، والتي نشرتها وسائل الإعلام، تكشف عامة عن "علاقات فساد" بين شخصيات سياسية وإعلامية ورجال أعمال.
وفي تطور جديد، قال عضو "الكنيست" عن حزب "الليكود"، يهودا غليك، إن ناشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس شوكين، التقى معه لمحاولة التأثير على تشريعات يمكن أن تساعد في ازدهار الإعلانات في صحيفته.
غليك تابع، في تصريح للموقع الإلكتروني لـ"يديعوت أحرونوت": "التقيت قبل عام ونصف مع شوكين، وحاول إقناعي بدعم تشريعات من شأنها أن تساعده في الإعلانات.. هو (شوكين) لم يقدم لي أي عروض مقابل التصويت أو عدم التصويت على مشاريع القوانين".
وعن العلاقة بين النواب وناشري الصحف عامة، قال غليك: "الناشرون هم أصحاب أعمال، وأصحاب الأعمال لديهم جماعات ضغط تتحرك في "الكنيست".. كل شيء مبني على (خذ وأعطي)".
غير أن ناشر "هآرتس" سارع إلى نفي اقتصار المحادثات بينه وبين غليك على صحيفته، قائلاً، بحسب بيان نشرته "يديعوت احرونوت": "لم أتحدث أبداً إلى غليك عن هآرتس لوحدها، وإنما عن كل الصحف، بما فيها يديعوت أحرونوت".
سيجار وخمور
كذلك تحقق شرطة الاحتلال الإسرائيلي في شبهات بحصول نتنياهو، طوال سنوات، على منفعة من رجلي أعمال، أحدهما إسرائيلي والآخر أجنبي، تشمل كميات من السيجار الفاخر له، وعبوات خمور فاخرة من ماركة "شمبانيا" لزوجته سارة، وذلك بقيمة مئات الآلاف من الشواقل (عملة الاحتلال الإسرائيلي).
وبالفعل، حققت شرطة الاحتلال، الأسبوع الماضي، مع سارة نتنياهو، في القضية المسماة "القضية 1000"، قبل أن تتقدم سارة، أمس، ببلاغ إلى النائب العام تتهم فيه محققي الشرطة بأنهم تعاملوا معها بـ"باحتقار وعدم احترام".
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، كان نتنياهو وزوجته قالا لشرطة الاحتلال إنهما حصلا على السيجار والخمور كهدايا من أصدقاء.
ويبدي الشارع في دولة الاحتلال الإسرائيلي اهتماماً كبيراً بتفاصيل هذه التحقيقات التي تتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف، دون أن يتضح إلى أين ستنتهي.
فضائح متراكمة
هذه القضية، المسماة "القضية2000"، "لن تقضي على نتنياهو، لكنها ستصيبه بجروح"، وفق قراءة وديع أبو نصار، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، مدير "المركز الدولي للاستشارات" في مدينة حيفا (غير حكومي).
أبو نصار، تابع أن "الأمور متأرجحة، وبتقديري فإنه استناداً إلى ما تم نشره من تسريبات حتى اللحظة، فإن نتنياهو سيخرج جريحاً، وليس مقتولاً من هذه القضية".
قبل أن يستدرك قائلاً: "لكن لا ندري ماذا سيحصل غداً أو بعد غد، ففي كل يوم تظهر معلومات جديدة.. لا شك أن وضع نتنياهو ليس سهلاً، خاصة وأننا نتحدث عن تراكم للفضائح.. لكن الدلائل حتى اللحظة ليست كافية لإدانته، ودفعه إلى الاستقالة".
الخبير في الشؤون الإسرائيلية لفت إلى أن "الثقافة السياسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي تختلف عن نظيراتها في البلدان الغربية، ففيها لا يقدم المسؤول استقالته، إلا في حال إدانته، وليس لدى إخضاعه للتحقيق، الذي من المرجح أن تستمر فيه شرطة الاحتلال لبعضة أسابيع".
ووفق أبو نصار من المبكر الحكم على الأمور، فعلى حد قوله "قد تكون هناك مفاجآت، مثل ظهور أدلة أو شهادات جديدة، ولذلك لا يستطيع أحد أن يتوقع منحى الأمور في ظل استمرار التحقيق".
وبشأن بروز أسماء سياسيين وبرلمانيين وإعلاميين ورجال أعمال إسرائيليين خلال التحقيق في هذه القضية، اعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن هذا "تأكيد على أن الفساد يتجذر في دولة الاحتلال الإسرائيلي . التحقيقات تؤكد ما كنا نعرفه منذ زمن، وهو أن الفساد يتجذر ويتغلغل في جميع مفاصل دولة الاحتلال ، من الحكومة إلى البرلمان إلى وسائل الإعلام إلى رجال الأعمال".
وختم أبو نصار بأن "الوضع بلا شك مقلق للجميع، ولذلك فإن هناك اهتماماً بالغاً من المجتمع في دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتطورات التي باتت تتصدر وسائل الإعلام جميعاً، حتى أصبحت حديث الشارع".