يبدو أن مسار التهدئة يسير في القاهرة منفصلًا عن مسار المصالحة. هذا ما نفهمه من كلام عباس أمام المركزي. التهدئة تتجه نحو وقف إطلاق النار، والبالونات الحارقة مقابل حلول غير سياسية لغزة. مصر معنية بالتهدئة، (وإسرائيل) معنية بها، لذا استدعت مصر الفصائل النشطة في غزة، بعد مباحثاتها مع حماس. فتح لم تحضر لأنها تريد أن تكون سيدة ومقررة. مصر فيما يبدو غاضبة من مقاطعة فتح، ومن رفض عباس للتهدئة. مصر ربما قررت المضي بدونها؟!
عباس الذي تفرد بمسار أوسلو بمعزل عن الفصائل والشعب الفلسطيني، لا يريد لغزة أن تبحث عن حلول للحصار والعقوبات؟! هو يريد استبقاء الحصار والعقوبات إلى أن تركع غزة، وأن تستسلم لإرادته بلا منازع؟! هو يريدها خاتما في أصبعه كما قال لمن حوله. هو يريد أن يكون الموقع على التهدئة، ويريد ورقة الشرعية من غزة رغم أنفها، وفي ظل العقوبات عليها، بينما قررت غزة أن تتدبر أمرها بنفسها بعد أن يئست من إصلاح عباس، وفتح.
ما تقوم به غزة بنفسها بحثا عن حلول للسكان، هو أمر فرضه عليها محمود عباس فرضا، ودفعها إليه دفعا، بعد أن رفض رفع العقوبات عنها، وتجاهل مطالب المجلس الوطني، ومطالب المتظاهرين في رام الله ونابلس ومدن الضفة. عباس يحضر نفسه لحفلة قادمة من المزايدات على حماس وعلى سكان غزة، بعد إقرار التهدئة، وكأنه هو من جاب الذئب من ذيله كما يقولون.
حماس تؤمن بالعمل الوطني الموحد، وتؤمن بالشراكة السياسية وغير السياسية، وتنازلت عن حكومتها الشرعية من أجل ذلك، ثم تنازلت عن المعابر، وتنازلت عن التمثيل الحقيقي في حكومة التوافق، وغضت الطرف عن وجوب عرضها على المجلس التشريعي، في مقابل حلّ مشاكل غزة والموظفين، والانتخابات، ولكن عباس ضرب عرض الحائط بكل هذه التنازلات، واستبقى الحصار والعقوبات، ولا يريد لغزة فترة تهدئة يستعيد فيها السكان بعضا من القدرة على مواصلة الحياة. عباس أول من فرض التمييز العنصري بين غزة والضفة، ويصرف نصف راتب لغزة، وراتبا كاملا للضفة، ويزعم أنه حامي الشرعية والقانون، والانتخابات، ونسي أنه هو أول من انقلب على نتائجها، ودعا لانتخابات مبكرة بعد ثلاثة أشهر من حكم حماس؟! الشرعية الانتخابية ليست ورقة محصورة في فتح، بل هي لفتح، ولحماس، ولغيرهما، بحسب قرار الناخب، والحكم يصلح بحماس، ويصلح بفتح، ويصلح بالشراكة الوطنية، ويصلح بعباس ويصلح بدونه، واحتكار فتح للحكم جريمة، واحتكار فتح للمركزي والوطني، والصندوق القومي، جريمة أيضًا.