لم تعد غزة والضفة تهتم بخطابات رئيس السلطة. سألت عددًا من الأصدقاء: ما الجديد في خطاب عباس أمام المجلس المركزي؟! فكان الجواب لم نستمع له، ولم نهتم به. رئيس السلطة لم يعد شخصًا جذابًا للجماهير. الرجل فقد جاذبيته الوطنية والقيادية منذ فشل مشروعه التفاوضي، ومنذ أن تنكّر لغزة، وأوقع عليها عقوبات جماعية.
لو كان لرئيس السلطة قدرات تجذب الجماهير والفصائل، لما انفض عنه حلفاؤه من الديمقراطية، والشعبية، ولما قاطعوا مجلس مركزي المنظمة، الذي تحوّل في اللقاء الأخير إلى مجلس مركزي فتح؟! الرئيس أراد أن يعمّي على هذا التحول، فقال: النصاب موجود، ومن قاطع وغاب عن الحضور لن يضر إلا نفسه، وقد فعلوا ذلك من قبل، ومضت القافلة.
الرئيس لم يعالج الغياب والمقاطعة، ولم ينصف المعارضين، بل سخر منهم ومن مقاطعتهم، مع أن النصاب لا يحسب عادة بالعدد فقط، لأن الأهم من العدد هو الشراكة والتوافق، وهو ما تقوم عليه في الأصل مؤسسات منظمة التحرير قبل أن تحتكرها حركة فتح.
الرئيس عدّد نجاحاته فذكر السفارات والممثليات الكثيرة التي تفوق في كثرتها ما لبعض الدول المهمة والكبيرة، ولم يقل لنا شيئًا عن منجزات هذه السفارات والممثليات، التي هي في تحليلات أهل الخبرة، لا تقوم بدورها، وتمثل عبئًا على الموازنة الفلسطينية، ولم تنتصر يوما على الرواية الإسرائيلية، لا إعلاميا ولا سياسيا؟!
الرئيس ذكر من منجزاته المدن السكنية، وذكر الطاقة الشمسية، وذكر انتشال عدد من الأسر من الفقر، وكذا الانضمام إلى المنظمات الدولية، ولم يذكر الميادين التي فشل فيها، ومنها إفقار غزة وسكانها، ومنها فشل مشروع المفاوضات في حماية الحقوق الوطنية، وضياع الأرض بالاستيطان، وضياع القدس بالضم والتهويد، وفشل حل الدولتين، والفشل في بناء اقتصاد مستقل، وقضاء مستقل، والفشل في مكافحة العمالة، والجاسوسية، والفشل في انهاء الانقسام، وفي إرساء قواعد نظام ديمقراطي حقيقي، مع قمع الشركاء، وقمع المقاومة، وتوقيع عقوبات على السكان في غزة، بحجة عقاب حماس.. إلى آخره.
إن ميادين الفشل على المستوى الوطني هي أضعاف ميادين النجاح، ولو كان هناك نظام سياسي شفاف، لأطاح به من سدة الرئاسة منذ سنوات، وأرسله إلى البيت. خمس وعشرون سنة من اتفاقية أوسلو والمجلس المركزي يدرس بعدها التحول من السلطة إلى الدولة؟!، ولا أحد يدري كيف يكون هذا التحوّل عمليًا؟! إن عدم قناعة المواطنين فيما يسمعونه من خطاباته من كلام مكرر جعلهم لا يلتفتون إلى خطاباته، ولا يرون فيها حدثًا يستحق الاهتمام. وهذا لعمري موقف يستوجب تجديد الرئاسة، والذهاب إلى الانتخابات.