خلال ساعات مساء أمس نشرت وسائل الإعلام خبرًا توقعته قبل نشره، وهو أن مسؤولًا كبيرًا في السلطة الفلسطينية أخبر الإعلام العبري أن السلطة ستوقف ميزانية قطاع غزة بالكامل إذا تم توقيع اتفاقية بين إسرائيل وحماس، وقال: "في اليوم التالي لمثل هذا الاتفاق سنوقف على الفور تحويل 96 مليون دولار كنا نرسلها إلى غزة كل شهر"، موضحًا: "نحن لسنا صرافًا ماليًّا، وإذا وقعت حماس اتفاقات مع دول فعليها تحمل المسؤولية كاملة".
سبق ذلك تصريحات تمهد لهذا القرار على لسان عزام الأحمد وأحمد مجدلاني، عضوَيْ اللجنة المركزية، التي تواصل اجتماعها على مدار اليومين الماضيين، بقولهما: إن اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل "خيانة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية"، وأوضح مجدلاني نفس الاتجاه باتهام حماس بالخيانة والخروج عن الصف الوطني، ووصفها إلى جانب زملائه السابقين من المقاطعين لاجتماع المجلس المركزي والمشاركين في اجتماعات القاهرة، بأنها خارجة عن الإجماع الفلسطيني، ومشارِكة في صفقة القرن.
كل ذلك يظهِر بشكل واضح أن السلطة بدأت تتجه نحو رمي كل المعارضين لها بسهام الخيانة واتهامهم باللا وطنية، وهو نهج تتبعه السلطة، لمواصلة إجراءاتها العقابية ضد قطاع غزة الذي أصبح الوجه الآخر لحصار الاحتلال لغزة، وعزلها عن الضفة الغربية والتمييز ضد الموظفين ومطاردة المقاومة بالمطالبة بتسليم السلاح، والتي وصفها عباس قبل يومين بالمليشيات، كذلك مهاجمة من لم يحضر اجتماعات المجلس، الجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية والمستقلون ملتحقين بالمقاطعين سابقًا، حماس والجهاد.
اتهام الآخرين بالخيانة الوطنية، يأتي بينما تعيش الضفة الغريبة حالة اغتراب وطنية نتيجة استمرار التنسيق الأمني، وتغوّل الاستيطان، والتعاون الأمني مع الاحتلال في حملات الاعتقال المسعورة التي يقوم بها تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية هناك، وحماية وتسليم المستوطنين الذين يعتدون على المواطنين.
حالة من السعار أصيبت بها قيادات السلطة، وهي ترى البقرة الحلوب تحاول أن تكسر قيود الحصار، وكسر قيود السجن الكبير بغزة، حتى لو كان ذلك برعاية مصر، التي تبذل جهودًا تجاه التهدئة بين المقاومة والاحتلال، لاعتبارات لها علاقة بأن السلطة تريد أن تواصل سياسة السيطرة على قطاع غزة ومحاصرته وسرقة أموال المشاريع، كما حدث في أعقاب حرب 2014، وابتلاع المليارات التي لا يُعرف مصيرها، يضاف إلى ذلك السيطرة على المقاصّة التي يمكن أن تساهم في حل مشكلة الرواتب لموظفيها وكذلك لموظفي الحكومة بغزة.
النهج الذي تتبعه السلطة يعبر عن حالة الأزمة التي تعاني منها نتيجة استمرار حالة الاستفراد بالقرار الوطني واستعداء كل من يمد يد العون لغزة، واتهامهم بالخيانة لكل من يخالفهم الرأي ولو كان من داخل البيت، كما حدث سابقًا مع النائب محمد دحلان واليوم مع الجبهة الشعبية والديمقراطية والمبادرة والمستقلين.
يصلح وصف السلطة بالمثل العربي المشهور "رمتني بدائها وانسلت"، وهي تتناسى ما تفعله تجاه مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية وحصار قطاع غزة على مدار 12 عامًا، لذلك يقع على عاتق المجتمعين في القاهرة الإصرار والمضي قدمًا لتحقيق مصلحة شعبهم، والأمانة التي حُمّلت لهم في سبيل كسر الحصار عن مليونَيْ فلسطيني.