فلسطين أون لاين

أنشأ مؤسسة "أحباء غزة ماليزيا"

الماليزي "قمر الزمان" يتزوج أرملة شهيد في "أرض الملائكة"

...
غزة - يحيى اليعقوبي

قدم إلى قطاع غزة عام 2013 بهدف الدراسة الجامعية والعمل الإنساني، مكث في القطاع خمس سنوات رغم أنه لم يتوقع أن يزورها في يوم من الأيام، كانت غزة بالنسبة له ما يصفه بـ"أرض الملائكة" من البشر لكثرة ما يسمعه عن المعاناة والصمود بوجه الحصار.

أنشأ مؤسسة "أحباء غزة ماليزيا" المعنية بالأيتام، حتى انتهى به المطاف بالزواج بأرملة شهيد لديها خمسة أبناء احتضنهم.

حكاية الشاب الماليزي محمد نادر النوري قمر الزمان (31 عاما) لم تكن عادية، كان قبل خمس سنوات يسمع عن قطاع غزة وحصاره، تمنى رؤية أهلها وزيارتها، جاء مع إحدى القوافل التضامنية البرية عبر معبر رفح جنوب القطاع، وتخصص في دراسة الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، بعد أن أنهى بكالوريوس آخر بتخصص "علوم بحرية" من بلاده.

مكث "قمر الزمان" في غزة عامًا ونصف العام وبدأ العمل الإنساني فيها إضافة لدراسته الجامعية، حتى شن الاحتلال عدوانا واسعا على غزة عام 2014م، لا ينسى تلك الأيام التي لا ينساها الغزيون كذلك: "كنت أشعر بالرعب من تلك الحرب، خاصة أن الحرب (العدوانية) كانت طويلة".

رغم أنه لم يعتد على هذه الأجواء، إلا أن الشاب الماليزي شارك في تقديم المساعدات من خلال مؤسسته وافتتح رياض أطفال لتعليم أبناء النازحين وإنشاء عيادة طبية متنقلة، والمساعدات الأخرى.

مواقف كثيرة خلال العدوان شاهدها "قمر الزمان"، لكن هذا الموقف لا يفر من ذاكرته، في يوم من أيامه كانت الأحداث في خان يونس دراماتيكية، قصف، ودمار عاشته المدينة، يقول عن ذلك: "كنا نقدم مساعدات في أحد المساجد بالمحافظة، فجأة سمعنا صوت انفجار قريب من المكان".

بعد فترة قصيرة جاء الناس ينقلون جثامين الشهداء بعد قصف المسجد في محاولة لإنقاذهم، وبعد لحظة جاءت مجموعة تحمل شهداء آخرين، "حينما ترى الشهداء أمام عينيك فإن الموقف محزن بدرجة كبيرة وكأنه لا يوجد إنسانية في هذا العالم"، قالها وهو يستعيد المشهد السابق.

كيف نمت فكرة مؤسسة "أحباء غزة ماليزيا"؟، يجيب بأن فكرة المؤسسة بدأت صغيرة، لكن العمل الإنساني لم يكن غريبا عليه، فحينما كان في الثانوية ذهب مع والده إلى جنوب تايلاند عندما تعرضت لإعصار "تسونامي" لمساعدة واغاثة الناس.

وبعدها سافر "قمر الزمان" إلى سوريا ومكث فيها عامًا ونصف قبل أن يعود لماليزيا وينشئ مؤسسة لتقديم المساعدة والإغاثة للسوريين، ويردف: "حينما جئت إلى قطاع غزة وضعت هدفا بداخلي بإنشاء مؤسسة، وبدأنا العمل مع الأيتام من خلال كفالتهم الشهرية".

"لم نتعامل مع الأيتام ككفيل أو وسيط، بل شاركناهم في مناسباتهم وأعياد ميلادهم، وفي الرحلات الترفيهية، حتى أن بعضهم ينادونني بأبي إلى أن وصلت لمرحلة بالزواج بزوجة شهيد لديها خمسة أولاد"، يقول.

القرار الأصعب

الزواج من أرملة شهيد، لم يكن موقفا بسيطا أو سهلا بالنسبة للشاب الماليزي باتخاذ هذا القرار، كونه سيحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في تربية خمسة أبناء أيتام.

بدأت القصة حينما تعرف قمر الزمان على الفتى نعيم (18 عاما) قبل خمس سنوات حينما كان طفلا، وهو الابن البكر للشهيد أشرف مشتهى، في أحد الأيام خرج قمر الزمان والطفل مشتهى في رحلة ترفيهية نظمها مسجد بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، يضيف: "تعرفت على نعيم ووجدته طفلا مختلفا عن الآخرين، يجلس لوحده، لا يلعب مع أقرانه".

سأل قمر الزمان المشاركين في الرحلة عن الطفل مشتهى وعن سبب عزلته، وأخبروه أنه ابن شهيد وأنه عادة ما يجلس منفردا، "وجدته ليس كأي يتيم، كان يحمل هم القضية على عاتقه خاصة أنه سافر إلى استراليا والأردن"، يقول.

ومن هنا أراد قمر الزمان ابتعاث نعيم لماليزيا لنشر إبداعاته هناك، فتعرف على أخواله وأهله لأخذ الموافقة منهم، حتى التقى بوالدته، وبعد مدة فاتح قمر الزمان والديه بموضوع الزواج ولا يخفي أنه في البداية لاقى رفضا شديدا من قبلهما نتيجة اختلاف البلدين والثقافة، لكنه في النهاية طلب منهم الرضا وأصر على الزواج.

كان هدف الشاب الماليزي من هذا الزواج هو تعويض الأيتام الخمسة حنان والدهم الذي كان مقاوما، وعن تجربته هذه يقول: "أهم خطوة بعد الزواج بأرملة شهيد، هي التعامل مع الأبناء كالأب فمعظمهم ينادونني بأبي".

بدت عليه طلاقة الحديث باللغة العربية، "كيف تعلمتها؟" سؤال طرحته صحيفة "فلسطين" عليه، ليجيب بأن الماليزيين يتعلمون العربية كما يتعلم العرب الإنجليزية، ويقول: "لكن المشكلة لدينا تكمن في المحادثة، لكن قبل المجيء لغزة مكثت في سوريا عاما ونصف وهناك بدأت بالمحادثة والجلوس مع الناس، وحينما بدأت بدراسة الشريعة والقانون في غزة زاد تمكني من اللغة العربية".

غزة بالنسبة لقمر الزمان مكان "عجيب"، عاش فيها وشاهد معاناتها، لكن أكثر موقف أحزنه هو التعامل مع الفلسطينيين في معبر رفح، شاهد هناك طلبة حصلوا على منح دراسية تم إعادتهم للقطاع، شاهد دموع مرضى، وأمهات وزوجات لم يستطيعوا الخروج من المعبر.

كيف استطعت المزج بين العمل الإنساني والزواج؟ يختم: "أريد أن أكون ممن يتركون بصمة لهم في هذه الحياة الفانية في تربية أبناء شهيد، وفي العمل فإن عدد المحتاجين في غزة للمساعدة كبير، وهذا ما يحتاج إلى التعاون بين مختلف المؤسسات لتوزيع لقمة العيش والإغاثة على الجميع وتكاتف الجهود في هذا الإطار"، مشيرا إلى أن مؤسسته تكفل حاليا 300 يتيم كفالة شهرين وأنها في طور زياد العدد.