تتحضر القاعات، ومعها المصفِّقون في مدينة رام الله المحتلة، لاستقبال "حاكم المقاطعة" الثمانيني الذي يتجهز بدوره لإلقاء خطاب في دورة للمجلس المركزي اليوم، يضاف إلى سلسلة خطابات سابقة، في مجالس لا تحظى بتوافق وطني، ولا تغير من واقع استشراء الاستيطان والعدوان والحصار شيئًا.
وتتخذ الدورة الـ29 "لـلمركزي"، لنفسها اسم "الشهيدة رزان النجار"، التي ارتقت خلال تأدية عملها في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، بينما تدق وزارة الصحة في قطاع غزة بصفة مستمرة ناقوس الخطر لنقص الأدوية والمستلزمات الطبية لمرضى القطاع، ومصابي المسيرة، في ظل الحصار والإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على مليوني غزي، منذ مارس/آذار الماضي.
أما الشق الآخر من اسم هذه الدورة فهو "الانتقال من السلطة إلى الدولة"، في الوقت الذي يقر فيه رئيس السلطة محمود عباس، الذي يوصف بأنه مهندس اتفاق أوسلو سنة 1993، بأنه لا سلطة له في الضفة الغربية، واعترافه الشهير: "نحن نشتغل عند الاحتلال"، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، في فبراير/ شباط 2018.
وأمس، انضمت الجبهة الديمقراطية، إلى الفصائل المقاطعة للاجتماع المنفرد، أبرزها حركتا المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
والمفارقة أن عباس، وهو رئيس السلطة الذي انتهت ولايته قانونيا في 2009، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس حركة فتح، لم ينفذ قرارات "المركزي" السابقة بوقف التنسيق الأمني وتعليق الاعتراف بـ(إسرائيل)، بينما تفتقر معارضته الإعلامية لما تسمى "صفقة القرن" إلى إجراءات عملية تترجمها، بحسب مراقبين.
غياب التمثيل
ويغيب عن اجتماع "المركزي" أهم مقومات انعقاده، ألا وهو مشاركة الكل الفلسطيني، بحسب النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، حسن خريشة.
ويقول خريشة لصحيفة "فلسطين"، الأصل أن يكون التمثيل السياسي للكل الفلسطيني موجودا، وما دام هذا التمثيل غائبا الأولى تأجيل الاجتماع لإجراء حوارات داخلية ليشارك الجميع ويتفق على برنامج موحد لمواجهة الأوضاع الصعبة التي تواجه القضية الفلسطينية.
ويتساءل خريشة، عندما تغيب حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية من سيبقى من الفصائل؟ مردفا: "ستبقى (حركة) فتح والهوامش الأخرى التابعة بصورة أو بأخرى لها، بالتالي هؤلاء لا يمثلون الشعب الفلسطيني".
وكانت حماس اكتسحت نتائج الانتخابات التشريعية في 2006م، بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132.
ويوضح خريشة، أنه لا يجب تكرار ما حدث عند عقد المجلس الانفصالي في رام الله، نهاية أبريل/ نيسان الماضي، الذي لم تشارك فيه حماس والجهاد والشعبية.
ويعتقد أن كل القرارات التي ستصدر عن "المركزي" اليوم، تكرار لسابقتها التي لم ينفذ أي منها، وبقية حبيسة الأدراج.
ويرى أن عباس يسعى من عقد "المركزي" إلى التأكيد على أن صلاحيات المجلس الوطني قد أحيلت بالكامل لـ"المركزي" الذي تم تعيين عدد كبير من أعضائه "وفقا للأهواء" من قبل "المتنفذين" بهذا الشأن.
ويقول خريشة، إن من يتحدث عن مواجهة "صفقة القرن" عليه أن يرفع العقوبات عن قطاع غزة، وعن الأسرى في سجون الاحتلال، للمضي نحو وحدة وطنية حقيقية كتلك السائدة في غزة حيث يخرج الجميع في مسيرات العودة.
ويدعو أيضًا إلى تنفيذ القرارات السابقة لـ"المركزي" بوقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بـ(إسرائيل).
حاجة ملحة
من ناحيتها، تقول عضو المكتب السياسي لـ"الشعبية" مريم أبو دقة، إن الخطر على المشروع الوطني زاد، وهذا يستدعي الوحدة الوطنية.
وتذكر أبو دقة لصحيفة "فلسطين"، أن أهم الفصائل غابت عن المجلس الانفصالي الأخير في رام الله بسبب "الاستفراد والهيمنة".
وتشير أبو دقة إلى الحاجة الملحة للشراكة ومج الكل الوطني ولملة الصف الفلسطيني، قائلة: "نعطي المصالحة وتجسيد الوحدة والشراكة الأولوية".
وتوضح أن ما دون ذلك يعني تسهيل "صفقة القرن"، لافتة إلى أن "المركزي" بهذه التشكيلة لا يشكل إجماعا وطنيا، ويجب أن تكون الأولوية لجلسة فورية للإطار القيادي لمنظمة التحرير أو أي صفة لكل القوى لتجسيد اتفاق المصالحة 2011 ووضع آليات لتنفيذه وتوحيد الصف، أو عقد مجلس وطني توحيدي لمناقشة كل القضايا على الطاولة، بوجود كل الأطراف بما فيها حماس والجهاد وفتح.
وتطالب أبو دقة، بتعزيز صمود الفلسطينيين في غزة، وعدم فرض العقوبات عليهم، داعية إلى إلغاء الإجراءات العقابية.
كما يجب أن يكون هناك مجلس توحيدي يبدأ من التئام اللجنة التحضيرية التي وافقت عليها كل القوى، بحسب أبو دقة.
وكانت اللجنة التحضيرية لـ"الوطني"، شددت في 11 يناير/كانون الثاني 2017، على ضرورة عقد المجلس "بحيث يضم كافة الفصائل الفلسطينية"، وفقًا لإعلان القاهرة (2005) واتفاق المصالحة (4 أيار/ مايو 2011)، من خلال الانتخاب أو التوافق؛ لكن عباس عقد المجلس دون توافق.
وتؤكد أبو دقة، أن الاستفراد والإقصاء لا يؤمنان الشراكة، لافتة أن مهمات منظمة التحرير انتقلت للسلطة مع أن الأساس هي المنظمة التي أوجدت السلطة، و"هذا خطير"، وهو ما جرى مع دائرة المغتربين التي تتحول من يد المنظمة إلى السلطة، وكذلك الصندوق القومي الذي يفترض أن يكون بيد مستقل.
وتشير القيادية في "الشعبية"، إلى "خروقات كثيرة" لدستور منظمة التحرير، مشددة على أن المخرج الرئيس والآمن لتحدي "صفقة القرن" هو إلغاء العقوبات وتوحيد الجهد ووحدة الصف وتنفيذ الاتفاقات الموقعة في 2017 و2011، ودعم صمود الفلسطينيين في القدس وتجمع الخان الأحمر.
وتتمم بأن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال، ولابد أن تكون مصالح الوطن هي العليا، وليست المصالح الفئوية.
ويشار إلى أن "المركزي" عقد 28 دورة منذ 1984 حتى يناير/كانون الثاني 2018، بحسب الموقع الإلكتروني للمجلس.