فلسطين أون لاين

​غزة تدق جدران الحصار البحري.. هل يسمع العالم؟

...
صورة أرشيفية
لندن-غزة/ نبيل سنونو:

"هذا البحرُ لي .. هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي"، قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش قبل أعوام طويلة، لكن هذا البحر لا يزال محاصرا، كما البر والأجواء.

لكن لا يزال المواطنون في قطاع غزة يدقون "جدران" الحصار البحري، وهذه المرة يترافق ذلك مع مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، التي انطلقت في 30 مارس/آذار الماضي، تزامنا مع الذكرى الـ42 ليوم الأرض.

وأول من أمس، انطلقت رحلة بحرية جديدة بمشاركة نحو 50 قاربا من غزة لكسر الحصار، بعد أيام من قرصنة قوات الاحتلال الإسرائيلي سفينتي "العودة وحرية" اللتين حاولتا الوصول إلى القطاع.

وانطلقت رحلة مماثلة من ميناء غزة، على متنها حالات إنسانية من مرضى وطلاب، كانت تطمح إلى إكمال طريقها إلى العالم، في 29 مايو/أيار الماضي، لكن قوات الاحتلال قرصنت السفينة، تزامنا مع الذكرى الثامنة لمجزرة سفينة مرمرة التركية التي تعرضت أيضًا لهجوم من الجو والبحر،ما أسفر عن استشهاد 9 متضامنين آنذاك ولحقهم عاشر لاحقًا.

وفي 10 يوليو/تموز الماضي، شقت رحلة بحرية أخرى طريقها من ميناء غزة، بهدف كسر الحصار، لكنها لاقت ذات مصير سابقتها.

ومن شأن هذه السفن أن تحقق أهدافا، كما يقول مراقبون، منها إيصال صوت المحاصَرين في غزة إلى العالم، لاسيما أن سفنا لكسر الحصار كانت قادمة إلى غزة عبر السنوات الماضية، قرصنتها قوات الاحتلال.

وبعد مهاجمة قوات الاحتلال أسطول الحرية الأول الذي كانت تقوده سفينة "مافي مرمرة"، في 2010، أعطبت سلطات الاحتلال سفينتين من أسطول الحرية الثاني في 2011، ومُنِعت سبع سفن أخرى من التحرك نحو غزة بضغط أمريكي إسرائيلي على الحكومة اليونانية.

واستمرت قوات الاحتلال بذات النهج، عندما منعت أسطول الحرية الثالث الذي كانت تقوده السفينة السويدية "ماريان" في 2015، من الوصول إلى غزة، وكان على متنه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، و70 ناشطا من 20 دولة.

وفي 2016 قرصنت قوات الاحتلال السفينة النسائية "زيتونة"، وكان على متنها 13 متضامنة، واقتادتها إلى ميناء أسدود.

بينما هذا العام، اعتدت قوات الاحتلال على سفينة "العودة"، التي بلغ عدد النشطاء على متنها 20 من 15 دولة، واعتقلتهم في سجن "غيفون" في أسدود، وشوهدت دماء بعض المتضامنين على أرض السفينة، كما تعاملت قوات الاحتلال بعنف مع 12 ناشطا من خمس دول، كانوا على متن سفينة "حرية"، واعتقلتهم قبل أن تبدأ بإجراءات الترحيل.

"مواجهة سياسة الخنق"

وتشير الناطقة الإعلامية باسم الحملة العالمية لكسر الحصار، منى سكيك، إلى حقوق الغزيين التي يمنعها عنهم الحصار، ومنها الحق في التنقل، منوهة إلى أن الرحلات التي تنطلق من غزة، "تدق جدار الخزان" لكسر هذا الحصار، وتنشد تضامن أحرار العالم.

وتضيف أنه رغم القرصنة الاحتلالية لسفن كسر الحصار، لا بد من فضح حصار الاحتلال لمليوني فلسطيني في القطاع، أمام أحرار العالم، لكونه انتهاكا لكل حقوق الإنسان والقوانين الدولية والإنسانية واتفاقيات جنيف.

وتتابع: "رسالتنا أننا نريد أن نعيش كما شعوب العالم، وهذه البقعة الصغيرة (غزة) ليس فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية"، بسبب الحصار.

وتؤكد أن من شأن إطلاق هذه الرحلات البحرية، واستقبال أخرى، أن توصل رسالة الغزيين المحاصرين للعالم، منوهة إلى أهمية تعزيز إيصال هذا الصوت عبر التنسيق بين المؤسسات الحقوقية المحلية مع نظيراتها في الخارج، وتسليط الضوء بأكبر قدر ممكن على القوافل البحرية.

وتشير إلى أن رحلة بحرية أخرى ستنطلق من غزة "في أقرب فرصة".

أما الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية، حسام شاكر، يقول إن الرحلات البحرية تأتي ضمن سلسلة من الخطوات والمبادرات التي ينفذها الشعب الفلسطيني وأيضًا المتضامنون معه في مواجهة سياسة الحصار والخنق.

ويمكن قراءة هذه الرحلات أيضًا ضمن تحركات عدة من أهمها في الشهور الأخيرة مسيرة العودة، التي أعطت رسالة قوية، حسبما يضيف شاكر لصحيفة "فلسطين".

ويصف محاولات كسر الحصار البحري بأنها "جهد مقدر وتعبير عن إرادة صلبة دؤوبة لا ترضى بأمر واقع مفروض قسرا".

وينوه إلى أن ذلك يترافق مع جهد خارجي تضامني في العالم بإبحار قوارب، مبديا أسفه لكونها تنتهي باحتجازها من قبل قوات الاحتلال.

لكنه يشير إلى استمرارها وتواصلها عاما تلو الآخر، ما يشكل حلقات في سلسلة ممتدة متفاعلة من الجهد المدني والجماهيري الضاغط على الاحتلال.

ويقول شاكر، هناك حراك وحرص على رفع الصوت مهما طال أمد الحصار الذي يجب عدم السكوت عليه.

ويضيف أن المجتمعات الغربية تلتفت إلى الصيحات المرتفعة وينبغي في حالة الظلم والقهر أن يتم افتعال أزمة للمحاصِرين و"المتواطئين" معهم.

ويؤكد أهمية صياغة رسالة بمطالب محددة توجهها الرحلات البحرية للعالم، ولا تكتفي بالشعار العام وهو رفع الحصار، بل تحدد ما الذي ينبغي أن يقال للأطراف الأوروبية وللدول.

ووفق شاكر، لابد من تحميل مسؤوليات محددة ومباشرة ودقيقة وتفصيلية لأطراف مخصوصة، وليس فقط بشعار عام ربما تستجيب له بعض الدول بنداءات فضفاضة وإعراب عن القلق.

ويتحدث عن أطراف أوروبية "ضالعة بالحصار بشكل سلبي" على الأقل بامتناعها عن القيام بشيء لرفعه.

ويرى شاكر، أن هناك "مستوى سياسيا يخاطب ومجتمعا مدنيا وجهدا شعبيا له الحق برفع السقف فوق السقف السياسي".

ويخلص إلى ضرورة "تصعيد هذه النبرة وأن تكون هناك رسالة واضحة إذا استمر الحصار بأنه سيكون هناك إزعاج كبير جدا" لكل الضالعين بهذا الحصار، ضاربا المثل بالتحركات الشعبية المناهضة لقرارات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي مست أقوات العديد منهم.