مع بداية عام 2017م تشهد القضية الفلسطينية حراكا سياسيا محليا وإقليميا ودوليا، فبالأمس انطلق مؤتمر باريس للتسوية بمشاركة سبعين دولة وعدد من المنظمات الدولية، وفي الأسبوع الماضي عقدت في بيروت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني بمشاركة حركتي حماس و الجهاد الإسلامي، كما بدأ، أمس، اللقاء الفصائلي في موسكو للمصالحة الوطنية والذي من المؤكد أن يبني مدخلاته على مخرجات مؤتمر باريس، ومن الأرجح أن يكون لكليهما دور في اللقاء المرتقب بموسكو بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي تعمل موسكو على استضافته منذ فترة طويلة، والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هل سينتج عن هذا الحراك حلا عادلا للقضية الفلسطينية، أم هو تكرار للمؤتمرات واللقاءات السابقة وأصبحنا ندور في حلقة مغلقة لا مخرج لها؟.
بالنسبة لمؤتمر باريس ما هو إلا مؤتمر مثل باقي المؤتمرات التي عقدت على مدار العقود السابقة بشأن القضية الفلسطينية ولم تسفر عن أي نتيجة، بدليل أن ما خرج عن مؤتمر باريس لم يوقف الاحتلال عن سياسة الاستيطان وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2334، كما أنه تجاهل قضية القدس ليعطي الضوء الأخضر لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب بنقل سفارة بلاده إليها وربما تتبع فرنسا نفس الإجراء فيما بعد، فإذا كانت مخرجات مؤتمر باريس بهذه المشاركة وهذا الزخم الكبير لم يكن بمقدوره إلزام مجلس الأمن باستصدار قرار جديد بقبول فلسطين دولة كامل العضوية في الأمم المتحدة، فعلى أي أساس سيعمل على حل الدولتين؟ وهذا ليس بالجديد، فقد نادت كل من خارطة الطريق والمبادرة العربية وأنابوليس وجنيف وغيرهم بحل الدولتين.
وإنما كل ما أرداه مؤتمر باريس من هذه المظاهرة الدولية إملاء الشاغر في العلاقات الدولية الذي أفرغته الولايات المتحدة الأمريكية في المدة الأخيرة حتى استلام ترامب مقاليد الحكم، وهو رهن القضية الفلسطينية بالقرار الأمريكي المنحاز كلية لحليفته (إسرائيل)، وهو أمر مفرغ منه أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة منصفة للحق الفلسطيني أو على الأقل وسيط نزيه، فحسب نواياه المبيتة أنه من أشد حلفائها، وكل المؤشرات تشير إلى إدارته من أكثر الإدارات الأمريكية انحيازًا لها، إذا ما ينادي به مؤتمر باريس ما هو إلا نفخ في قربة مخرومة ولا مستقبل لحل الدولتين، خاصة إصرار نتنياهو على عدم التراجع عن حدود عام 1967م بحجة تبادل الأراضي لتمكين (إسرائيل) من ضم ما يسمى بالتجمعات الاستيطانية، تلك التجمعات التي تم تسمينها عرضًا وتمددها طولا وتضاعفت أضعاف مضاعفة منذ ظهر هذا الطرح عام 2000م حتى اليوم.
ما نشاهده الآن على الساحة السياسية هو تجديد للخرب الباردة التي أنهكتنا في المنتصف الأخير من القرن الماضي وهو أن روسيا بقيادة بوتين قد عادت لتلعب الدور الرئيس في المنطقة ذلك الدور الذي لعبته في تلك الفترة ثم تراجع هذا الدور، وها هي اليوم تستعيده وبكل قوة وعلى حساب تراجع الدور الأمريكي الذي بات اليوم تحت أكثر من علامة سؤال نتيجة الغموض الذي يكتنف الدور المستقبلي لإدارة ترامب والتي لا يستطيع أحد أن يجزم ما إذا كان شهر العسل بينها وبين روسيا بوتين سيستمر للانهاية أم أن مصالح العملاقين ستتعارض خاصة بما يخص المنطقة العربية وعلى وجه التحديد القضية الفلسطينية، فهما إلى حد بعيد داعمان أساسيان لـ(إسرائيل)، ولا يمكن تصور أن تتعارض مصالحهما معها.
أما لقاء موسكو فهو بالرغم من تقديرنا للاهتمام الروسي والمساعي الروسية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، إلا أنه يثير في النفس الكثير من الامتعاض لعجزنا رغم سنوات الانقسام الطويلة عن حل مشاكلنا وخلافاتنا بأنفسنا ولجوئنا إلى أطراف دولية لحل هذه المشاكل ونحن ندرك بأن لهذه الأطراف مصالحها وحساباتها وأن لجوءنا إليها لا يمكن إلا أن يكون له ثمن سياسي لم نكن بحاجة لدفعه، وإذا كنا عاجزين بهذا القدر عن حل قضايانا الداخلية فما بنا أن نقدر على حل قضيتنا الرئيسة مع الاحتلال، فإذا أصبحنا عاجزين عن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية هل أصبحنا بحاجة لرفع قضية الانقسام إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار ملزم بهذا الخصوص؟
لذا أقول: علينا مراجعة أنفسنا بصدق لاسترجاع وحدتنا الوطنية والحرص كل الحرص بأن لا نكون جزءا ً من صفقة إقليمية أو دولية على حساب إعطاء الشرعية للتنازل عن جزء من ترابنا الوطني أو القبول بأقل من الحد الأدنى الذي قبلنا به من قبل وهو دولة فلسطينية على حدود 67 والقدس العربية عاصمة لها لأن كل المؤشرات تُفيد بأن هذا الحل يمر بمرحلة تقزيم واختزال أخشى أن تحوله إلى مسخ يسمونه دولة لسنا بحاجة له، وبقاء الصراع مفتوحا أولى وأفضل منه لأنه ليس فقط من حق هذا الجيل وإنما من حق الأجيال القادمة.