تسكن الحيرة سكان غزة، وهم يراقبون تدمير العدو مركزَ سعيد المسحال الثقافي. السؤال الأكثر ترددا على الألسنة هو: لماذا دمر العدو المركز، وهو هدف مدني، ثقافي وفني، ولا علاقة له بالعمل العسكري؟! المركز يتكون من خمسة طوابق، وبه صالة حديثة للمسرح والعروض الوطنية.
قبل تدمير المركز الثقافي كان العدو قد قصف مائة هدف أو يزيد في محافظات غزة، بعضها مواقع عسكرية، وبعضها مواقع مدنية بحتة، كأسرة خماش في دير البلح. لماذا لم يقف العدو عند التهدئة التي أعلنتها الفصائل قبل قصف مركز المسحال، وتوقف عندها بعد قصف المركز؟!
الإجابة عن هذه الأسئلة لا تخرج عن بعض ما يلي:
أولا: يبدو أن العدو فقد أعصابه من صمود المقاومة ومواصلة قصف مواقع غلاف غزة، فقرر القفز خطوة واسعة بقصف المركز وتدميره لاستعادة الردع، وإدخال الرعب إلى أبراج غزة، لا سيما أنه هدد بأن الحرب الرابعة ستبدأ من حيث انتهت الحرب الثالثة، يقصد قصف الأبراج السكنية، وتدميرها، وإلقاء سكانها إلى الشارع، والضغط على الفصائل لإيقاف القتال.
ثانيا: يبدو أن قيادة العدو السياسية فقدت جزءا كبيرا من رصيدها عند الجماهير اليهودية، وخاصة اليمينية المتعصبة التي تدعو لاحتلال غزة، أو القيام بحرب رابعة واسعة النطاق، للقضاء على حماس، واستعادة الجنود الأسرى، ومن ثمة قررت القيادة قصف المركز الثقافي، وهددت بقصف غيره، لاستعادة أصوات اليمين.
ثالثا: يبدو أن قيادة العدو التي تود أن تبقي الحالة القائمة على ما هي عليه، لا حرب، ولا رفعَ للحصار، كانت تحتاج إلى صورة نصر تقدمها للناخب الإسرائيلي، قبل أن توافق على وقف إطلاق النار، ومن هنا رأت في تدمير المركز الثقافي هذه الصورة، التي ستبقى عالقة في ذهن السكان اليهود.
رابعا: يبدو أن قيادة العدو اختارت المركز من بين عشرات الأهداف المدنية المماثلة لتقتل رسالة المركز الثقافية، وتخيف المراكز الأخرى، ذلك أن الثقافة الوطنية التي يبثها المركز من خلال الشعر والمسرح وغيرها تقلق دولة الاحتلال. الثقافة كانت وما زالت عدوا رئيسا للاحتلال، وطمس هوية فلسطين الثقافية هدف في الإستراتيجية الصهيونية.
لهذه الأسباب، بعضها، أو كلها، كان قصف مركز المسحال الثقافي وتدميره، ولكن أهداف التدمير لن تتحقق بإذن الله، وسيعود المركز أفضل مما كان، وستسقط نظرية الردع والرعب الصهيونية، لا محالة في ذلك.