حين أطلقت غزة مسيرات العودة في 30 مارس تحت عنوان: العودة وكسر الحصار، كانت القوى الإسلامية والوطنية المنظمة لها في سباق مع الزمن لكسر صفقة القرن وإفشالها، وإفشال خطط غرينبلات وكوشنر التي حملت عنوان غزة أولًا، بهدف تمرير صفقة القرن. بعد قرابة أربعة أشهر من انطلاق المسيرات الحاشدة تعلن أميركا تراجعها عن خطة غزة أولًا، وربما تتراجع عن طرح صفقة القرن، بعد أن أدركت أن غزة بقيادة حماس والمقاومة بشكل عام لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية لصالح (إسرائيل) حتى ولو كانت من خلال مساعدات إنسانية لغزة.
القوى الإسلامية والوطنية في غزة لا تتاجر بالقضية الفلسطينية، ولا تبيع الحقوق الوطنية بالمال والمساعدات المشبوهة كما فعل الآخرون. نعم لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة، ولا تجارة بعد اليوم في حقوق الشعب، وعلى رأسها حق العودة، والقدس. انتهى زمن التجارة الفلسطينية والعربية بفلسطين وبالقدس وبحق العودة، وبدأ زمن (ما حك جلدك غير ظفرك، فتولى سائر أمرك)، في زمن عودة الوعي لغزة لن تمرّ محاولات تصفية القضية لصالح (إسرائيل)، حتى لو تحالفت الدول السنية المعتدلة حسب اللغة العبرية مع (إسرائيل).
لم تكن طروحات كوشنر وغرينبلات للحلول الإنسانية لغزة أولًا مقصودة لذاتها، بدافع التغلب على مشاكل الحصار، وإنما كانت خطوة على طريق صفقة القرن، وتصفية القضية الفلسطينية بمساعدة عربية مالية وغير مالية. لو كانت الحلول الإنسانية مقصودة لذاتها لأمرت أميركا (إسرائيل) برفع حصارها عن غزة، ولأمرت الدول الغنية بتمويل مشاريع اقتصادية لغزة. ولكن عين أميركا ليست على غزة، وإنما على القدس، والضفة الغربية، حيث تكمن الأطماع الصهيونية.
حيثما فشلت السلطة نجحت غزة لأنها زاوجت بين المقاومة والعمل السياسي، بينما تخلت السلطة عن أوراق القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، وتمسكت بالورقة الأمريكية، التي أثبتت الأيام أنها ورقة صهيونية بكل معنى الكلمة. السلطة الغافلة استيقظت بعد نقل السفارة للقدس، وبعد إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، بينما كانت تحذيرات الشعب الفلسطيني للسلطة من الموقف الأميركي تتوالى منذ توقيع اتفاق أوسلو. السلطة تجني اليوم ثمار خطئها وإعراضها عن تحذيرات الشعب، ومن ثم عليها استخلاص العبر، فيما تبقى لها من وقت.