فلسطين أون لاين

​كيف ستصمد مؤسسات القدس بخمسة ملايين دولار ؟

...
مشهد عام لمدينة القدس المحتلة (أ ف ب)
غزة / القدس المحتلة - يحيى اليعقوبي

لا يختلف الكثيرون أن القدس أصبحت في أدنى سلم الأولويات للمؤسسات العربية والإسلامية، وأن ذلك يؤثر على الوجود الفلسطيني فيها، وأن أدوات الاحتلال في القدس كبيرة جدا، في المقابل هناك ضعف في التخطيط من قبل الجانب الفلسطيني لدعم صمود المقدسيين والمؤسسات الفلسطينية فيها، ويذهب آخرون إلى أن القدس ومؤسساتها حتى خارج حسابات اهتمام السلطة.

كذلك لا شك أن هناك إشكاليات في حماية الوجود الفلسطيني بالقدس، من الممكن أن تؤدي لنتائج خطرة، تؤدي إلى فرض وقائع جديدة تغير معالم المدينة جغرافيا وديمغرافيا.

معطيات ومؤشرات

الباحث في شؤون القدس د.جمال عمرو، يقول: "إن القدس تتلقى دعما قليلا من الأنظمة العربية الرسمية"، موضحا، أن ميزانية القدس السنوية التي تقدمها الأنظمة العربية تبلغ 5 ملايين دولار سنويا ".

ويضيف عمرو لصحيفة "فلسطين": "أن نقابة المهندسين الأردنيين تقوم بجمع مليون دينار أردني من خلال حملات مناشدة"، منوها إلى أن الأموال التي تجمع من النقابة الأردنية والأنظمة العربية تذهب فقط لغرض ترميم بيوت البلدة القديمة بالقدس.

في المقابل، وفق عمرو قامت سلطات الاحتلال بترميم الحي الإسلامي الذي تطلق عليه اسم "الحي اليهودي" بمبلغ 780 مليون دولار، وأن هذه الميزانية أعلنت عنها رسميا.

ويبين أن الاحتلال الإسرائيلي من خلال 27 منظمة يهودية قام بجمع 17 مليار دولار لتهويد القدس، وقال عمرو: "قدمنا قبل سنوات خطة عاجلة لمكتب رئيس السلطة محمود عباس بأن يتم تأهيل البنية التحتية للقدس بمبلغ مليار دولار".

وذهب للإشارة إلى أنه لم تصل 500 مليون دولار من ليبيا، أعلنت السلطة أنها ستساهم في دعم البنية التحتية، مؤكدا أن الأنظمة العربية لم تقدم شيئا للقدس.

وأكمل عمرو، بأن ميزانية السلطة الفلسطينية تبلغ سنويا نحو 4 مليارات و500 مليون دولار، حصة مدينة سلفيت بالضفة الغربية منها – أصغر مدن فلسطين – 165 مليون دولار.

ولكن القدس التي مساحتها وتعداد سكانها، والقول لعمرو، أكثر من عشرة أضعاف سلفيت، يصلها فقط 5 ملايين دولار سنويا لا تدفعها السلطة من ميزانيتها وإنما تجمعها من بيت مال القدس، والبنك الإسلامي للتنمية، وتصرف على مؤسسات مجتمع مدني مختصة بالأنشطة البحثية والفلكلورية.

في حين، تبلغ ميزانية الاحتلال – حسب عمرو – لمدينة القدس 10 مليارات شيكل تحول لبلدية الاحتلال بالقدس، بالإضافة إلى الأموال التي تصرف للمشاريع الأخرى غير تلك الميزانية.

وفي السياق، لفت إلى وجود ثلاثة مصادر إسرائيلية تصب في تهويد القدس، وهي بلدية الاحتلال بالمدينة، والحكومة الإسرائيلية، ومبالغ أخرى تجمع من قرابة 27 مؤسسة ومنظمة يهودية قرابة 4 مليارات و500 مليون دولار ( تعادل ميزانية الشعب الفلسطيني).

ونوه إلى أن مشروع "وجه القدس" الذي أعلنت عنه سلطات الاحتلال مؤخرا لتهويد شكل المدينة خصص له 2 مليار و600 مليون دولار خارجة عن إطار الميزانية.

وذكر في الوقت ذاته، أن سلطات الاحتلال التي تدعمها الولايات المتحدة تمنع تحويل أي دعم شعبي مالي عربي أو دولي للقدس.

ورد على تصريحات لرئيس وزراء حكومة رام الله رامي الحمد الله، الذي ذكر فيها أن حكومته "ستدعم مؤسسات القدس"، أوضح عمرو أنه منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 وحتى الآن أغلق الاحتلال 26 مؤسسة وطنية وإسلامية رحلت إلى الضفة، وما تبقى فيها مؤسسات ثقافية ومجتمع مدني، " يغض الاحتلال الطرف عنها ".

وحول إجراءات الاحتلال بالمدينة، ذكر أن 83% من المقدسيين تحت خط الفقر، وأن 34% من المحال التجارية فيها مغلقة، مشيرا إلى أن هناك 16 نوعا من الضرائب يدفعها المقدسيون لسلطات الاحتلال.

وتبعا لقول الباحث في شؤون القدس، فإن جدار الفصل العنصري منع التواصل التجاري بين القدس ومدن الضفة، لافتا إلى أن 165 ألف مقدسي غادروا المدينة ورحلوا إلى خارج حدود جدار الفصل العنصري بسبب اجراءات الاحتلال بحقهم.

وذهب عمرو للإشارة إلى سياسة الاحتلال في هدم البيوت وغلاء المعيشة، موضحا أن ثمن ترخيص وبناء الشقة بالقدس بمساحة 120 مترا يصل إلى نصف مليون دولار، مشيرا إلى أن 80% من المقدسيين يستأجرون بيوتا، تستهلك أجرة البيت 50-60% من رواتبهم.

وانتقد عمرو اتفاقية أوسلو التي تنص على أن يتم النظر بوضع القدس بالحل النهائي، موضحا أن الاحتلال حول المفاوضات فقط لأجل المفاوضات، وهجر مؤسسات القدس كغرفة التجارة والصناعة التي كانت تضم جميع التجار، وذهابها أثر كثيرا عليهم.

تقييم الدعم العربي

مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية زياد الحموري من ناحيته، يبين أن الدور الأردني بالقدس، محصور في موضوع وزارة الأوقاف، والوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، مشيرا إلى أن صندوق بيت مال القدس الذي يرأسه العاهل المغربي محمد السادس، "يقدم دعما غير مقبول للقدس".

في حين تصرف سلطات الاحتلال، وفق الحموري، 90 مليون شيكل سنويا فقط لرواتب حراسة المستوطنين في البلدة القديم، لافتا إلى أن ميزانية الاحتلال للقدس تقدر بنحو مليار ونصف مليار دولار.

وذهب للإشارة إلى أن موازنة القدس في ميزانية السلطة الفلسطينية أقل من 1%، أي قرابة 25 مليون شيكل، مشيرا إلى أن 37% من موازنة السلطة تذهب للجانب الأمني، وهي تدلل أن القدس في أدنى سلم الأولويات الموجودة.

والمشكلة في الأمر، والكلام للحموري، أن الاحتلال نجح في اتفاقية أوسلو بتهميش موضوع القدس، من خلال تأجيل التباحث فيها لوقت متأخر، لافتا إلى أنه مضى على الاتفاقية أكثر من 20 عاما والقدس تلتهم.

ووصف المدينة بأنها جزر فلسطينية تحاط ببحر يهودي، منوها إلى أن الاحتلال خلال الأسابيع الأخيرة يقوم بإنشاء بنية تحتية في حي الشيخ جراح لإقامة مستوطنة وسط الحي بواقع 280 وحدة، ستؤدي لتغيير معالم الحي بالكامل.

الوصاية الأردنية

من جانبه، يذكر مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني أن من يدافع عن القدس حاليا هو الشعب الفلسطيني بالقدس، والدور الأردني كراعية للأقصى، إلا أنه بين أن ذلك لا يعطي مبررا للدول العربية والإسلامية لجعل الاحتلال ينفرد بالقدس.

ويقول الكسواني لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال يركز على تهجير أهل القدس، من خلال حصار المدينة، وفرض الضرائب الباهظة، والتضييق على حركة تنقلهم لتفريغ المدينة والمسجد الأقصى من الفلسطينيين".

وذهب للإشارة إلى أن أعداد موظفي الأقصى تبلغ 800 موظف في الوقت الحالي، وأنها ستصل إلى ألف موظف في الأشهر القادمة، منهم أكثر من 240 حارسا يتناوبون على حراسته.

وشدد على ضرورة أن تتوحد مؤسسات دعم القدس، لإفادة المواطن المقدسي، للدفاع عنه واتخاذ مواقف دولية، لوقف الهجمة الإسرائيلية عليها، مؤكدا على أهمية دعم صمود الشعب الفلسطيني والحفاظ على إسلامية المدينة ووضعها في سلم أولويات الأنظمة العربية.

الاستيطان بالمدينة

مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية بالقدس خليل التفكجي، يبين أن الاحتلال وضع منذ عام 1967 سياسة استراتيجية فيما يتعلق بالاستيطان، موضحا أنه استطاع حاليا السيطرة على 87% من مساحة القدس، و13% للفلسطينيين.

وقال التفكجي لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال أقام قرابة 15مستوطنة إسرائيلية بالقدس، يعيش فيها 220 ألف مستوطن إسرائيلي، ويفكر بإضافة 58 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال مخطط (2020م) لإسكان قرابة 200 ألف مستوطن جديد في شرقي القدس.

ويحاول الاحتلال، كما تابع، تقليص الفلسطينيين إلى 12%، من خلال مصادرة الأراضي، وسحب أكثر من 15 ألف وثيقة شخصية، وجدار الفصل العنصري، مضيفا: " أن الاحتلال يريد الخروج من حدود مساحة القدس الحالية، إلى مساحة القدس الكبرى ".

ويبين أن المؤسسات المقدسية بدأت بمغادرة القدس، بعد إقامة جدار الفصل العنصري وبفعل الضغط الاقتصادي الإسرائيلي عليها، فضلا عن تهميش السلطة الفلسطينية لقضية القدس، وتحول رام الله لمركز للإعلام بديلا عن القدس.

وأكمل فيما يتعلق بالدور الأردني بالقدس، موضحا أنه بعد عام 1988م أصبحت الأردن مسؤولة عن الأوقاف الإسلامية فقط وليس لها علاقة بإدارة القدس، منوها إلى الإمكانات القليلة للجنة القدس وأن ما تقدمه فقط يهتم بالقضايا الاجتماعية. وأكد أن هناك تقصيرا من كل الجهات تجاه القدس.

وحول إجراءات الاحتلال بالمدينة، ذكر أن الاحتلال ربط الشأن الصحي بالصحة الإسرائيلية، وأن في الجانب التعليمي يسيطر الفلسطينيون على 35% من العملية التعليمية فقط، فضلا عن سياسة تغيير المشهد والأسماء وتهويد المدينة، ومحاولات نشر المخدرات في القضايا الاجتماعية، مؤكدا أن عملية مقاومة هذه الإجراءات أقل مما هو مطلوب.