فلسطين أون لاين

​قبل تبرير الخطأ تساءَل: "هل أنا معذورٌ حقًّا؟!"

...
تقرير- فاطمة أبو حية

يُقال إن الاعتراف بالحق فضيلة، ولكن ماذا إن كان الاعتراف بالحق إقرارًا من الشخص بخطئه؟! هل سيفعل ذلك أم سيجد لنفسه مبررًا يدفع به الذنب عن نفسه؟ تختلف الإجابة حسب شخصية الفرد، فهناك من يقرّ بأنه مخطئٌ حتى لو كان له من الأعذار ما يكفي، فيما آخرون يبررون كل كلمة يقولونها، وكل موقف يتخذوه، حتى يُخيّل للسامع أن الظروف كلها تآمرت عليهم لتدفعهم للقيام بعمل ما، أو لتحول بينهم وبين أداء مهامهم.. عن الأعذار والتبريرات أعدّت "فلسطين" التقرير التالي.

شماعةٌ للأخطاء!

"هدى الحلو" ترى أن الكثير من الناس يميلون إلى البحث عن أعذار لأخطائهم، ويجدون أن تقديم المبرر أسهل وأخف على النفس من الاعتراف بالخطأ.

وتقول: "قد تكون الأعذار التي يقدّمها هؤلاء تافهة جدًا، وربما مختلقة وليست حقيقية، ولكنهم لا يتوانون عن التذرع بها، فالمهم بالنسبة لهم هو تقديم سبب لتصرفهم، ولا أعرف لماذا يفعلون ذلك، ولكنه الواقع".

وتضيف: "كثيرًا ما نفعل أشياء ونمتنع عن أشياء أخرى بفعل أسباب خارجة عن إرادتنا، ولكن علينا ألا نتمادى في استخدام المبررات والتذرع بها للتغطية على خطأ ارتكبناه، ولنعطِ كل شيء حجمه الطبيعي".

وتوافقها الرأي "نيرمين عليان"، إذ تقول: "علينا أن ننتبه لكي لا نجعل الظروف شماعة نعلّق عليها تقصيرنا، فالخطأ يبقى خطأً تحت أي ظرف، وحتى إن كان لدينا عذر فلنقدمه مرفقًا بالاعتراف بالخطأ"، مضيفة: "المكابرة وإنكار الخطأ قد يورّط الفرد في الكذب، إذ يضطر لاختلاق مبررات غير حقيقية، أو على الأقل يبالغ في حديثه عن الظروف ليبدو كلامه مقنعًا ومنطقيًا لتفسير الخطأ الذي وقع فيه".

وتتابع: "البعض يحرص على تقديم المبررات ويعتاد على ذلك، حتى وإن كان مدركًا في قرارة نفسه أنه مخطئ تمامًا ولا عذر حقيقي لما فعله، وهذا يؤدي إلى الفشل في كثير من المواقف".

للهروب من الواقع

أما "فادي عبد الله" فمقتنع بأن المبررات يجب ألا تأخذ أكبر من حجمها، ومع ذلك يلجأ إليها في بعض الأحيان.

ويوضح: "عندما أكون مُرهقًا نفسيًّا وأبحث عن الراحة، فإنني أهرب من بعض الأمور عن طريق الأعذار والمبررات، والتي تكون صحيحة بالفعل، كأن أكون مريضًا فلا أذهب لمناسبة مهمة متعللًا بحالتي الصحية، رغم قناعتي بأن وضعي الصحي يسمح لي بالتوجه إليها".

ويبين: "الاعتياد على تبرير الأخطاء ربما يؤدي إلى الكذب، إضافة إلى تضرر العلاقات الاجتماعية، حيث يفقد الناس الثقة بمن يقدم الأعذار باستمرار، ويتكون لديهم انطباع عنه بأنه يجد عذرًا لكل خطأ، وأنه مبرراته مختلقة وغير حقيقية".

بالحد المعقول

من جانبها، تقول الأخصائية النفسية سمر قويدر: "من طبيعة البشر أنهم يلجؤون إلى المبررات لتفسير ما يصدر عنهم من أخطاء، ولكن يجب أن يكون ذلك في بالحد المعقول، وأن تكون مبرراتهم صحيحة، وخارجة عن إرادة الفرد".

وتضيف لـ"فلسطين": "كثير من الأشخاص يلجؤون للتذرع بالمبررات باستمرار، فيتعودون على ذلك، ويتّكلون عليها في حياتهم اليومية، ويستخدمونها وسيلة لعمل أي شيء لا ينبغي أن يفعلوه، أو للتخلص من بعض المهام وللتخفيف من الأعباء التي لا يقدرون عليها".

وتتابع: "مَن يعتَد على ذلك يصبح العذر سابقًا لكلامه دومًا، بل ويفكر في العذر الذي سيستخدمه لتبرير أي خطوة ينوي القيام بها، ليجد لنفسه مخرجًا من أي خطأ، وبذلك يصبح التبرير صفة سلبية في شخصية الإنسان وليس مجرد أمر طبيعي".

وتوضح قويدر أن التبرير يكون غالبًا بدافع رغبة الفرد في نفي وقوعه في أي خطأ، والحفاظ على صورته، وحماية مصالحه كالبقاء في عمله رغم التقصير.

وتشير إلى أن التبرير الدائم قد يعبّر عن شخصية من يقوم بذلك، فهو ربما يكون كسولًا، وذا شخصية سلبية غير فعالة، واتكاليًا، وغير قادر على تنفيذ المهام الملقاة على عاتقه، ولذا فهو لا يؤدي المطلوب منه ويبحث عمّن يقوم به بالنيابة عنه، إضافة إلى أن هذا السلوك يدل على عدم قدرة الفرد على الاعتراف بأخطائه وأنه انسحابي من المواقف التي تطلب المواجهة.

وتؤكد قويدر أن المبررات قد تكون صحيحة وسببًا حقيقيًا للوقوع في الخطأ، ولا بد من التفريق بين كونها كذلك وبين كونها مُختلقة، مبينة: "استخدام الأعذار المنطقية بشكل غير مكرر مسموحٌ ويتقبله الناس، شريطة عدم التمادي في ذلك، وأن يكون العذر في مكانه الصحيح، خاصة أن تكراره يشير إلى أن الشخص مُعتاد على ذلك".

وتلفت إلى أن الإكثار من استخدام المبررات يتحول إلى عادة تدفع الفرد إلى اختلاق أي أعذار يعزو أخطاءه إليها، حتى وإن كانت مكذوبة، ما يجعل صورته مهزوزة أمام الآخرين، ويفقد المحيطون به الثقة فيه، وهذا له انعكاس سلبي على علاقاته الاجتماعية.