في اللحظة التي كان فيها الكيان الصهيوني يقر قانوناً يعلن أرض فلسطين المحتلة دولة يهودية صهيونية خالصة، كان ممثلان عن دولتين عربيتين، هما مصر وموريتانيا، يقرّان اختيار الصهيوني القادم من اليمين الليكودي، يوفال شاني، رئيساً لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
هذا العار القومي تبرره القاهرة ونواكشوط بأنه لم يكن ثمّة تصويت، حتى يقال إنهم انتخبوا صهيونياً رئيساً لمجلس حقوق الإنسان، وأن ممثل الاحتلال وصل إلى هذا الموقع بالتوافق، لا بالتصويت، بين 18 خبيراً من 18 دولة هم أعضاء اللجنة المذكورة، وهذا تبريرٌ أقبح من التمرير، لأنه يعني ببساطة أن"صهينةً"وقعت من ممثلي العرب لتمرير القرار، وأنهم، في الحد الأدنى، سكتوا سكوت الراضين، ولم يظهروا أية ممانعة أو مقاومة، أو حتى اعتراض خجول، على هذا القرار، بما يعني، في نهاية المطاف، الموافقة والتأييد للخيار الصهيوني.
من العبث في ظل حالة اللوثة القومية التي تضع الإسلام السياسي عدواً أول، بديلاً للاحتلال الإسرائيلي، أن تسأل أياً من مندوبي الدولتين العربيتين ماذا وجدتم في هذا الصهيوني، والكيان الذي يمثله، من مؤهلات حقوقية وإنسانية وحضارية، تجعلكما تغضّان الطرف (باللغة الدارجة تصهينون)عن وصوله إلى هذا الموقع، في اليوم ذاته الذي تقر فيه حكومته قانوناً عنصرياً إقصائياً، يفرغ البلاد التي استعمروها، اغتصاباً وقتلاً وتدميراً، من محتواها الديموغرافي والحضاري والثقافي، ويعلنها أرضاً صهيونية خالصة.
لكنك يمكن أن تقرأ ما جرى في ظل سياق عام، يتنافس فيه المتصهينون، والمصهينون العرب، على إظهار أكبر قدر من العداء والكراهية لتيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية، فيصبح الإخوان المسلمون هم العدو والجسم الغريب على الثورة في مصر، وتصير المقاومة الفلسطينية مستهجنةً ومحاصرة ومكروهة، لأن الوجود الأبرز في تكوينها ينتمي إلى الإسلام السياسي، كتائب القسام وسرايا القدس، وبالتالي يصبح المطلوب إعدام جماعة الإخوان سياسياً، وتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وتصبح علامات الحبور والسرور على وجه محمد البرادعي وهو يتسامر ويتضاحك، في محفل دولي، مع مجرم الحرب الصهيوني، إيهود باراك، عملاً متحضراً وشطارة سياسية، ويصير صدور أعمال علاء الأسواني، بالعبرية، في الكيان الصهيوني، إنجازاً ثقافياً، ويتحوّل استيراد الغاز الصهيوني تعبيراً عن كفاءة اقتصادية، كما يصنف الحضور الكثيف لوجوه الاحتلال على الشاشات العربية منتهى التفوق المهني.
وفي مقابل كل ما سبق، يصبح الدفاع عن الربيع العربي تهمةً، ما لم تفعل كما يسلك صبية يفحطون بدراجاتٍ نارية في أزقة السياسة، واضعين فوق رؤوسهم خوذاتٍ من الضحالة والجهل، ينشطون في مشروع ضخم لتزييف التاريخ، لنفي أي إسهام لتيار الإسلام السياسي في ثورات الربيع العربي، وإقصائه من معادلة مقاومة الطغيان والاحتلال، ويتفانون في إثبات صحة مقولةٍ أطلقها الصهيوني، آفي ديختر، النائب في الكنيست والرئيس السابق لجهاز
"الشاباك" عقب انقلاب السيسي، زاعماً في محاضرة ألقاها، في المعبد الكبير في تل أبيب، احتفالاً بعيد "الحانوكا اليهودي" إن جماعة الإخوان المسلمين "استولت على الحكم"، و"ركبت ثورة الشبان الليبراليين".
بقي أن تعرف أن التوجه الإسرائيلي نحو إقرار قانون "صهينة أرض فلسطين" اشتعل مع
معمعة الحشد ضد حكم الرئيس محمد مرسي في مصر، وتجييش الثورة المضادة للجماهير ضد حكم "الإسلام السياسي"، إذ وضعت كتلة اليمين الإسرائيلي في الائتلاف الحكومي، "الليكود"، و"إسرائيل بيتنا"، و"البيت اليهودي"، نصّاً معدّلاً لمشروع قانونٍ يعتبر "إسرائيل دولة يهودية" وكان ذلك يوم الأربعاء 26 يونيو/ حزيران 2013.
ولذلك كله، ليس غريباً أن تقرأ مبكراً جداً على لسان المعلق الصهيوني، آري شافيت، بعد الانقلاب مباشرة "كلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيمٍ منتخبٍ وملتح".
السؤال الآن: كم من العرب بيننا يحملون ملامحنا وأسماءنا ويتحدّثون بلسان، بوعيٍ أو بدون وعي، بلسان الصهيوني آري شافيت، حين يناضلون بكل همّةٍ ضد "الإسلام السياسي"، ثم يخيطون أفواههم ويخرسون أمام"اليهودية السياسية"؟.