تسعى (إسرائيل) في تسابق مع الزمن إلى تهويد ما تبقى من أرض في حوزة العرب الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر خصوصاً في منطقتي الجليل والنقب، ولا يمر يوم من دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية بنبأ حول إصدار قانون عنصري لفرض يهودية دولة إسرائيل بعد جعل الأقلية العربية هامشية في كافة مناحي الحياة. اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً عليها، فانتهجت حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين، وتبعاً لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا والإيتسل بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ، لدفع العرب خارج أرضهم.
واتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي ولكن على هامشه، كما عملت المؤسسات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة. ومرّ العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2018، وتميزت الفترة الأولى الممتدة بين الأعوام (1948- 1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، بإصدار (إسرائيل) 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو من أصحابها الموجودين في (إسرائيل) الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة بالقرب من قريتهم التي طردوا منها عام 1948 ويمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 280 ألف عربي فلسطيني في بداية العام الحالي 2018.
توالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في مارس (آذار) 1976 حيث تمت مصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية في أرضها بانتفاضة يوم الأرض في الثلاثين من آذار 1976. وتبعاً لمصادرة الأراضي العربية من قبل الجيش الإسرائيلي تحت حجج وضرورات الأمن، فإن الفلسطينيين على الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون و600 ألف عربي فلسطيني في عام 2018، يمثلون نحو 20 في المئة من سكان إسرائيل، بيد أنهم لا يملكون سوى 2 في المئة من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل في عام 1948؛ والتي تقدر بنحو 78 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومترات مربعة.
ومحاولةً منها لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل وكسر التركز العربي في المنطقة المذكورة كما ذكرنا سابقاً، وذلك عبر أسماء مختلفة؛ في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020، إضافة إلى ظهور مخططات لكسر التركز العربي في منطقة النقب التي تشكل مساحتها 50 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية؛ ومن تلك المخططات مخطط «برافر»، الذي يسعى لمصادرة 800 ألف دونم؛ وتجميع عرب النقب البالغ عددهم نحو 200 ألف نسمة في مساحة هي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من 1 في المئة من مساحة صحراء النقب. واللافت أنه خلال العقد الأخير أصدرت إسرائيل رزمة قوانين للسيطرة على مزيد من أراضي الفلسطينيين المتبقية بحوزتهم؛ ناهيك عن إصدار قوانين من شأنها تعزيز وترسيخ فكرة يهودية «إسرائيل»؛ ومن أخطر تلك القوانين؛ قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقلية داخل الخط الأخضر مع العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك بغية الحد من التواصل الديموغرافي؛ لكن الأخطر كان اصدار قانون المواطنة والولاء الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف- من خلال قسم- بيهودية إسرائيل قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
وتكمن أخطار تلك القوانين الإسرائيلية التي تسارعت وتيرة صدورها إبان حكومة نتانياهو الحالية بتداعياتها المستقبلية الخطيرة على وجود الأقلية العربية؛ وقد يكون التحدي الأهم الذي سيواجهه العرب في الداخل، تلك السياسات الإسرائيلية الرامية إلى زعزعة وجودهم كأقلية في أرضها بغية طردهم في نهاية المطاف؛ ولهذا يتطلب الأمر محاولة الكشف عن المستور من تلك السياسات وأخطارها؛ بالاعتماد على خطاب فلسطيني وعربي مدروس؛ انطلاقاً من أن مجرد استمرار وجود الأقلية العربية في أرضها -عبر أشكال الدعم المختلفة- رصيد ديموغرافي ووطني له دلالة مباشرة على الهوية العربية للأرض التي أقيمت عليها إسرائيل؛ وقد يكون ذلك الرد الحقيقي على مخططات إسرائيل وسياساتها الرامية إلى ترسيخ فكرة يهودية إسرائيل، عبر تهويد المكان سواء في القدس أو في منطقة الجليل أو في المثلث والنقب.