قد يمتلك الفرد علمًا وكفاءة في جانب ما يجعلانه موضع حسد من الآخرين، فمن يره يتوقع له نجاحًا يُحكى عنه، لكنهم يتفاجؤون لاحقًا بأنه خذلهم، عندما تحوّل تميّزه إلى أحد عوامل تراجعه، وذلك لأنه سار خلف هذا التميز دون أن يوجهه أو يضبطه بمهارات أخرى.
استقالاتٌ متتالية
"أم محمد مسعود" كانت حتى وقتٍ قريب تفخر بمهارات ابنها الذي أثبت كفاءته في التعامل مع الحواسيب منذ كان طالبًا في المرحلة الإعدادية، ولكنها حاليًّا تنظر إليه بعين الخوف على مستقبله الذي لا ملامح واضحة له.
تقول: "كان ابني مولعًا باستكشاف الحواسيب وخفاياها، وبناءً على ذلك درسَ هندسة الحاسوب، وعندما كان في عامه الجامعي الثاني بدأ العمل مع أكثر من جهة بنظام القطعة، ثم تسلم أول وظيفة له في العام الثالث من الدراسة، وهنا بدأ التراجع".
وتضيف: "أولى علامات التراجع كانت تأخره في إنهاء دراسته الجامعية، فقد أنهى الهندسة في سبع سنوات بدلًا من خمسة، وهذا بسبب انشغاله بأعماله المتعددة"، متابعة: "فور تخرجه حصل على وظيفة حكومية، فترك عمله السابق لأجلها، وبعد عدة أشهر تلقى عرض عمل براتب أفضل، فقدم استقالته دون تفكير ولا استشارة، وبقي على هذا الحال متنقلًا بين عدة وظائف، يستقيل من مؤسسة ويوقع عقدًا مع أخرى".
لم يكتفِ ابنها بالاستقالات المتتالية، وإنما ترك عمله الأخير ذا الدخل المرتفع، وأسس شركة خاصة، وأدارها بطريقته السابقة نفسها، ما جعل الفشل أقرب إليه من النجاح.
تعقب: "أنا لست ضد العمل الخاص، بل أؤيده بشدة، خاصة مع إيماني بمهارات ابني المهنية، ولكني ضد التخبط الذي يعيش فيه، فهو يمشي وفق أهوائه وليس بتفكير منطقي يحسب به خطواته".
وتتساءل: "ماذا نفعه تميزه في تخصصه؟!، لا شيء، بل كان للانجرار وراء عروض العمل الكثيرة والمغرية تأثير سلبي، فها هو على وشك الإفلاس".
الثقة الزائدة
أما "رهام عبد الرحمن" فتشكو من ثقة زوجها الزائدة في مهاراته التجارية، التي جعلته يخسر في أكثر من مشروع، حتى أصبح بلا مصدر دخل بعدما كان تاجرًا يحقق أرباحًا كبيرة.
تقول: "ترك زوجي العمل في متجر والده ليفتح متجرًا خاصًّا به، ونجح في مشروعه بالفعل، وكان يدرّ دخلًا كبيرًا علينا، ولكن بعد مدة بسيطة من النجاح رأى أنه قادر على إدارة عمل أكبر".
وتتابع: "أغلق متجره، وافتتح مشروعًا تجاريًّا أكبر، ونجح فيه أيضًا، ولكنه سرعان ما كرر السلوك نفسه، وهذا بسبب ثقته الزائدة بقدراته ومهاراته، فكلٌّ يشهد له بتميزه على صغر سنّه".
وتضيف: "ثقته جعلته ينتقل من عمل إلى آخر، حتى جاء اليوم الذي أساء فيه إدارة مشروعه، ظانًّا أنه يفعل الصواب، إلى أن خسر كل ما يملك، وحاليًّا يبحث عن عمل يسدّ منه ديونه المتراكمة".
لا يكفي
ومن جانبه يقول مدرب التنمية البشرية محمد الرنتيسي: "إن استثمار التميز وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مدعومًا بجوانب أخرى يمتلكها الشخص، وإلا فإنه قد يسبب لصاحبه الضرر بدلًا من جعله في المقدمة".
ويضيف لـ"فلسطين": "من المهارات التي تعين الإنسان على النجاح اتخاذ القرار المناسب، والتخطيط السليم، وتكوين العلاقات والتشبيك مع الناس وغيرها من المهارات الاجتماعية"، متابعًا: "مجموعة المهارات العميقة يجب أن تتوافر جنبًا إلى جنب مع المهارة المهنية، وتتكون من مهارات اتخاذ القرار والتواصل وحل المشكلات والمهارات الرقمية، وهي أساسية لأي مجال وظيفي".
ويواصل: "النجاح الحقيقي لا يكون في الجانب المهني فقط، وإنما لابد من الذكاء الاجتماعي، الذي يُعرف على أنه معرفة الفرد بنفسه، وتسييرها بطريقة صحيحة، ومعرفته بالآخرين وإدارة العلاقات معهم".
ويبين الرنتيسي أن الذكاء الاجتماعي يشمل تحديد الأهداف ووضوحها، وأن يعرف الإنسان نقاط قوته ومواضع ضعفه، وأن يطور نفسه باستمرار وفق خطة سليمة، ولا يكتفي بما وصل إليه فيقبل البقاء في منطقة الراحة، وإنما يسعى دوما إلى الأفضل، قائلًا: "لوجود الأهداف الواضحة دور في تركيز الفرد وتوجيهه إلى تفوقه بطريقة صحيحة دون تشتت".
ويشير إلى أن الأهداف الواضحة والخطط السليمة ومجموعة المهارات كلها عوامل تتوافر في الفرد الناجح، وتعمل معًا إلى جانب الكفاءة المهنية، وبذلك تكتمل الدائرة، وأي نقص في أي من هذه الجوانب يسبب خللًا.
وبحسب قول الرنتيسي إن صاحب الكفاءة المهنية الأقل قد يتفوق وظيفيًّا على من يمتاز عنه، إن كانت يمتلك المهارات بدرجة أكبر منه.