أظهرت دراسة معنونة بـ"الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية"، أن الدعاية الإسرائيلية على موقع التواصل، فيسبوك، سارت وفق منحى متسلسل، استهلته بجمع مختلف الهفوات، ثم عالجتها دعائيًّا، كي تعيد نشرها داخل إطار معلوماتي جديد يخدم خطابها، وكأنها دليل إثبات، مُستشهد به من صاحب الرسالة الأصلية.
وبحسب الدراسة، التي أعدها الباحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية، حيدر المصدر، لعل أهم ما كشفته الظاهرة انتهاج (إسرائيل) مبدأ مواجهة الدعاية لذاتها، في ممارسة غير تقليدية، تستغل مساوئ ممارسات المستخدم أو "الصحفي المواطن" عبر إبراز المتنافر والمتناقض منها مع أطروحات المسيرات.
وقال الباحث المصدر في عرضه لمشكلة الدراسة، خلال متابعة بعض الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على موقع فيسبوك، إنه لاحظ استغلالها للمحتوى الذي ينتجه نشطاء فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من أجل تحقيق أهداف دعائية بحتة.
وأضاف المصدر: "سنجد آلية ممنهجة تقوم على رصد وتجميع المحتويين: المكتوب والمرئي، ومن ثم إعادة نشره على صفحاتها بعد معالجته دعائيًّا بشكل يتوافق مع أهدافها السياسية. وهو ما يمكن تسميته بـ(التنقيب الدعائي) الذي يصب في تفسير مفهوم إنتاج الدعاية لذاتها التي تعني باختصار: تكاثر وانتشار الموضوعات الدعائية بشكل تشعبي غير منتظم الاتجاه، حيث يصبح الجمهور فاعلًا في بنائها، متأثرًا بها، لا متلقيًّا لها فقط".
وعمدت (إسرائيل) إلى دراسة طبيعة تفاعل شرائح الجمهور الفلسطيني مع دعوات مسيرات العودة من خلال مراقبة ما يصدر عنهم من تعليقات وصور، لتتمكن من تخطيط استراتيجية اتصالية دعائية، تستجيب لأهدافها بشأن إجهاض الحاضنة الشعبية للمسيرات، وبالتالي تحويلها من مطلب عادل ذي طبيعة سلمية إلى "تحرك إرهابي عنيف بطبعه"، كما توضح الدراسة.
وبحسب الدراسة، ركزت الصفحات الإسرائيلية على استغلال المنشورات المرئية، لإمكاناتها الإقناعية التي تتجاوز قدرات النص، إضافة إلى توظيفها لأساليب دعائية متنوعة، كالربط والاستشهاد، في إشارة جلية إلى قدرة (التنقيب الدعائي) على تنشيط أساليب تأثير أخرى بموازاته.
وبحثت الدراسة في ظاهرة (التنقيب الدعائي) ضمن سياق فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من خلال تحليل المنشورات والصور التي نشرتها بعض الصفحات الإسرائيلية، كما سعت إلى تحديد الأجهزة الرسمية الإسرائيلية المسؤولة عن "التنقيب" وكيفية توظيفه وتحديد الفروق بينه ومفهوم الجمع الاستخباراتي مع بيان آثاره وسبل مواجهته.
واستقصت الدراسة، المنشورة في موقع مركز الجزيرة للدراسات، آليات الدعاية السيبرانية الإسرائيلية التي تستغل النشاط الاتصالي للمستخدم/ الجمهور الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي لإعادة "تدوير" الرسائل التي ينتجها بعد معالجتها دعائيًّا بما يتواءم مع أهدافها السياسية.
وانطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية في 30 مارس/آذار الماضي، شرق قطاع غزة، تزامنا مع الذكرى الـ42 لأحداث يوم الأرض، فيما أسفرت مواجهة الاحتلال لها بالعنف، عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة الآلاف منهم، بينهم صحفيون ومسعفون.
سبل المواجهة
وجاء في الدراسة حول سبل مواجهة التنقيب الدعائي، أنه لا يمكن ادعاء وصفة سحرية تستطيع صد الدعاية، كما لا يتوافر نمط واضح يوقف تأثيرات التنقيب الدعائي، ولكن الوعي الإنساني، يتصدر أهم الأسلحة، القادرة على مجابهة أية محاولة للتأثير في ذواتنا.
وأضاف الباحث أن الناشط في مواقع الإعلام الاجتماعي الفلسطيني، مطالب بامتلاك بصيرة كافية، تؤهله للتمييز بين ما هو نافع أو ضار للذات، وقضيته. كما أنه مطالب بالتوقف للحظة مع نفسه، وأن يتساءل حول كيفية استفادة عدوه مما ينشر.
وبيّن المصدر أن المؤسسات الفلسطينية الحكومية والحزبية والخاصة، مطالبة أيضًا بتأسيس حالة ثقافية جماعية، تسهم في ضبط النشاط الاتصالي للمستخدمين، بما يشمل التعريف بسبل (إسرائيل) الدعائية، وطرقها في استغلال المحتوى الفلسطيني لصالحها.
كما أن الأجهزة المختصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، مدعوة للتعمق أكثر في عرض خطورة مواقع الإعلام الاجتماعي، وما يترتب عليها من جمع للبيانات، وبالتالي خدمة جهود أي طرف يرغب في استغلالها دعائيًّا، كما تظهر الدراسة، التي تؤكد أن سر نجاح أي حملة يقع في تخطيطها المسبق، وقدرتها على التنبؤ بأساليب وخطوات الحملات الدعائية المضادة. لهذا فإن مركزية التوجيه أساسية وضرورية، كما أن المتابعة الدائمة لأنماط اشتغال الخصم تساعد على تخطي استغلاله لأي أخطاء تُرتكب، وفق الدراسة.
ومما خلص إليه الباحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية، أن خطورة الظاهرة باتت واضحة، لذا فتبني جهود تثقيفية بات مطلبًا ملحًّا، خاصة من أجل رفع منسوب وعي مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي، وأولئك المنخرطون في جهود نضالية شعبية، كالحالة الفلسطينية.
واعتمد المصدر، منهج دراسة الحالة بهدف جمع معلومات متعمقة عن الظاهرة في بيئتها الحقيقية، كما استعان أيضًا بمنهج التحليل النقدي للخطاب من أجل فهم الممارسات الخطابية للدعاية الإسرائيلية وتحديد الأطر الناظمة لها وقيمها وأبعادها الأيديولوجية، ووظف أيضًا أداة الملاحظة لفاعليتها في رصد سلوك عينة مجتمع الدراسة، وطريقة استخدامها للتنقيب الدعائي في محيطها الطبيعي.
وتمثلت عينة الدراسة في أربع صفحات إسرائيلية، وهي: صفحة منسق أعمال حكومة الاحتلال، وصفحة الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، وصفحة (إسرائيل) تتكلم بالعربية. أما بخصوص الإطار الزمني للعينة فهو يمتد من 28 مارس/ آذار إلى 30أبريل/ نيسان 2018.
وأحرز التنقيب الدعائي 142 تكرارًا، بنسبة 24.4% من إجمالي العينة التي بلغ عدد وحداتها 582 منشورًا، إضافة إلى نسبة 56.8% من إجمالي المواد التي تناولت مسيرات العودة، البالغ عددها 250.

