ولن يقبل أن يوصم شهداءه أو أسراه بـ"الإرهابيين" ولا يمكن أن يتنكر هذا الشعب لشهداء وأسرى الحرية الذين مهّدوا الطريق أمام شعبنا وقيادته لانتزاع حقوقه المشروعة، فلن يسقط حق بالتقادم، فالشهداء قضوا نحبهم دفاعًا عن وطنهم ولم ينتظروا أموالًا من أحد، والأسرى ضحوا بأعمارهم وأولادهم من أجل الحرية وهم صامدون وقابضون على الجمر وطعامهم "مي وملح"، ولم تعنِهم تهديدات نتنياهو، واللاجئون لم يفرّطوا بحق العودة مهما تكالبت عليهم الأمم التي أصبحت تكيل بمكيالين، ومن الأجدر بهم العمل على إنهاء هذا الاحتلال حتى لا يسقط المزيد من الضحايا ولا يزداد عدد الأسرى.
إن قرار "الكنيست الإسرائيلية" الذي يحجب مخصصات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة العائدة للسلطة الفلسطينية يتنافى مع كل ما جاءت به الاتفاقيات الدولية كونه تدخلًا صارخًا في الشأن الفلسطيني، و"الكنيست" على علم يقين أن الاحتلال هو من تسبب باسر وقتل وجرح الفلسطينيين، لكنها أصبحت المشرع الرئيس للاحتلال وتعمل على إزاحة كل العوائق والحواجز من أمامه، والحقيقة أنها تعينه على جرائمها ومخالفتها للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية، فسبق أن "الكنيست" أقرت قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، واليوم تقرّ قانونا جديدا بخصم مستحقات الأسرى والشهداء والجرحى، بتحكمها في أموال المقاصة التي تعطيها للسلطة الفلسطينية وهي أموال الضرائب والعوائد التي تجبيها سلطات الاحتلال من الشعب الفلسطيني، أي أن هذه الأموال خاصة بالفلسطينيين التي أجازتها اتفاقية أوسلو في عام ١٩٩٣ وأعطتها الحرية المطلقة بالتصرف فيها ولا علاقة للاحتلال بها، وهذا في حدّ ذاته قرصنة وابتزاز مخالف للاتفاقية الدولية.
وكعادته يتذرع الاحتلال بأن هؤلاء الجنود سقطوا دفاعا عن أمنه علما أن الحروب التي شنتها (إسرائيل) كانت على الدوام حروب توسع وعدوان على أراضي الغير. كما أنها تدفع على الدوام مخصصات لعائلات أسراها الذين احتجزتهم الفصائل الفلسطينية سواء في لبنان أو في الأراضي المحتلة، وهم الذين كانوا يشاركون في حروب عدوانية واحتلال غير مشروع، ومع عدم المقارنة أطرح الأسئلة التالية: هل يمكن أن نطالب نتنياهو بوقف دفع رواتب لعائلات جنود الاحتلال الذين قُتلوا أو لأسرى جيشه خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة أو الاعتداءات المتكررة لقوات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، والأراضي العربية؟ وهل يمكن أن يطلب الجانب الفلسطيني من الولايات المتحدة الأميركية التوقف عن دفع رواتب أو مخصصات لعائلات جنودها الذين قُتلوا في فيتنام أو العراق أو غيرهما من المناطق، أو عدم دفع رواتب لعائلات جنودها الأسرى في المناطق التي غزتها الولايات المتحدة الأميركية؟ وإذا كان دفع رواتب لأسرانا وعائلات شهدائنا ممنوعًا في العرف الإسرائيلي، أتساءل: من تسبب في قتل وأسر هؤلاء، أليس الاحتلال هو السبب والمسبب؟ وماذا عن تعويض اللاجئين الفلسطينيين أليس الاحتلال مسؤولًا مسؤولية كاملة عن هذه المأساة كما أقر القرار الأممي رقم 194 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1948م. وإذا كانت إسرائيل قد قتلت الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بنيران قواتها خلال عدوانها المتكرر سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهؤلاء ليسوا عسكريين أو إرهابيين، فهل يُعقَل أن تتخلى السلطة الوطنية عن واجباتها إزاء هؤلاء الضحايا وعائلاتهم؟
إن قانون "الكنيست" المستهدف لمخصصات ورواتب الأسرى والشهداء الفلسطينيين مرفوض ولا ينطبق بأي حال من الأحوال على أسرانا وشهدائنا، فإذا كانت المواثيق الدولية تجيز لأي شعب يخضع لاحتلال غير مشروع مقاومة هذا الاحتلال، وفي الوقت الذي يعترف فيه المجتمع الدولي أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية احتلال غير مشروع، فهل من المنطقي أو المعقول أن يطالب شعب يناضل من أجل حريته، كما يعترف المجتمع الدولي، أن يتنكر لشهدائه وأسراه؟ وهل يُعقَل أن تتخلى السلطة الوطنية ومنظمة التحرير عن واجبهما الوطني والأخلاقي إزاء هؤلاء الضحايا وعائلاتهم؟
قلت وما زلت أقول قانون "الكنيست" باطل قانونيًا وساقط أخلاقيًا، فبدلًا من أن تتخذ "الكنيست" والحكومة الإسرائيلية من هذا الموقف حجة جديدة لوقف أموال المقاصة أو تقليصها التي تعطيها للسلطة الفلسطينية، وتطالبها بقطع رواتب عائلات الشهداء والأسرى، الذين يحلون له أن يطلق عليهم صفة "إرهابيين"، وهم في الحقيقة مناضلون شرفاء قد أعطاهم القانون الدولي حق مناهضة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، ولو أنه متواضع في امتلاكها، كان أفضل "الكنيست" أن تتخذ قرارا مغايرا ولم تنسَه لمطالب الحكومة القائمة على الاحتلال وتطالبها بإنهاء الاحتلال والحصار والإفراج عن الأسرى والإقرار بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته وعاصمتها القدس وإعادة اللاجئين.