يبدو أن الحديث في صفقة القرن بات ضربًا من الألغاز التي تحتاج إلى خبرة رياضية في فك شيفرتها. الحديث عنها في الإعلام كثير، ويكاد زمن الحديث فيها يستغرق زمن ترامب في الحكم. لا شيء يقيني حتى الآن في التفاصيل. اليقين الوحيد أنها تستهدف تصفية القضية الفلسطينية دفعة واحدة، بحسب رؤية (إسرائيل). وأنها لا تحمل إنصافًا للفلسطينيين.
ما يبعث على الحيرة أن الصفقة تحاط بين الفترة والأخرى بتناقضات تجعل القراءة الاستشرافية عسيرة نوعا ما، ومن هذه التناقضات أن الصحف الأميركية والعبرية تتحدث عن قبول عربي بالصفقة، وتذكر هنا مصر والسعودية والإمارات، بينما يزعم عباس أن الأنظمة العربية المؤثرة أبلغته بأنها ترفض الصفقة. فمن نصدق؟! عباس يزعم أن الصفقة فاشلة، ولن تمرّ، والإعلام الأميركي الإسرائيلي يتحدث عن تمرير الحل من فوق رأس عباس، بعد موافقة الدول العربية ذات الصلة عليها؟!
في الإعلام الأميركي والعبري أيضا يتحدثون عن حلول إنسانية لغزة، وتخفيف الحصار، كمقدمة لفرض صفقة القرن، بعد إزالة لغم غزة؟! وفي الوقت نفسه يقوم نتنياهو بتشديد الحصار على غزة، وإغلاق معبر كرم أبو سالم، ووقف الاستيراد والتصدير؟! وهنا يتدخل ميلادينوف بمطالبة نتنياهو بالتراجع عن قراره، ومطالبة حماس بوقف الطائرات الورقية الحارقة.
جل الدراسات البحثية تربط تشديد الحصار بصفقة القرن، كما تربط الحلول الإنسانية لغزة بصفقة القرن أيضا، فكيف يكون هذا؟! الذي استطيع قوله في ظل هذه السياسات المتناقضة، أن قيادة السلطة والمنظمة هي التي تركت القضية لعبة بين يدي اللاعبين المحليين والدوليين، حين أضعفت نفسها بنفسها، وحين قمعت عناصر القوة في الشعب، وحين حاصرت غزة وعاقبت سكانها، وحين فشلت في بناء الدولة والاقتصاد الفلسطيني.
صفقة القرن رحلة عذاب وموت وسراب، كما كانت رحلة حل الدولتين، التي انتهت إلى سراب وخداع، ولفظت أنفاسها الأخيرة على يد كوشنير وغرينبلات، ليحل محلها لعبة تلهية جديدة، باسم صفقة القرن؟!